الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          4105 - (م سي) : علي بن عثام بن علي العامري الكلابي ، أبو الحسن الكوفي ، نزيل نيسابور .

                                                                          وقد ذكرنا باقي نسبه في ترجمة أبيه عثام بن علي .

                                                                          روى عن : أحمد بن حنبل ، وهو أكبر منه ، وحفص بن [ ص: 58 ] غياث ، وأبي أسامة حماد بن أسامة ، وحماد بن زيد ، وداود بن نصير الطائي ، وسعير بن الخمس التميمي (م سي) ، وسفيان بن عيينة ، وشريك بن عبد الله ، وعبد الله بن إدريس ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد السلام بن حرب ، وعبد الملك بن قريب الأصمعي ، وأبيه عثام بن علي ، وعمرو بن عاصم ، وفضيل بن عياض ، ومالك بن أنس ، ومحاضر بن المورع ، ومحمد بن جعفر غندر ، ومحمد بن فضيل بن غزوان ، ومخلد بن الحسين ، ووكيع بن الجراح ، ويحيى بن يحيى النيسابوري وهو من أقرانه ، ويحيى بن يمان ، وأبي بكر بن عياش ، وأبي حفص الجزري ، وأبي خالد الأحمر .

                                                                          روى عنه : أحمد بن سعيد الدارمي ، وإسحاق بن راهويه ، وأيوب بن الحسن النيسابوري الزاهد ، والحسين بن جعفر بن منصور (سي) ، وسلمة بن شبيب ، وسهل بن عاصم ، وعلي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي ، وعلي بن الحسن بن أبي مريم ، وعلي بن سلمة اللبقي ، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء وهو راويته ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، ويحيى النيسابوري وهو من أقرانه ، ويوسف بن يعقوب الصفار (م) .

                                                                          [ ص: 59 ] قال أبو حاتم : ثقة .

                                                                          وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : علي بن عثام بن علي أبو الحسن الكوفي ساكن نيسابور ، أديب ، فقيه ، حافظ ، زاهد ، واحد عصره ، وكان لا يحدث إلا بعد الجهد ، وأكثر ما أخذ عنه الحكايات والزهديات والأشعار ، والتفسير ، وأقاويله في الجرح والتعديل .

                                                                          قرأت بخط أبي عمرو المستملي سمعت محمد بن عبد الوهاب يقول : ما رأيت مثل علي بن عثام في العسرة في الحديث ، وكان يقول : الناس لا يؤتون من حلم ، يجيء الرجل فيسأل فإذا أخذ غلط ، ويجيء الرجل فيأخذ ثم يصحف ، ويجيء الرجل فيأخذ ليماري صاحبه ، ويجيء الرجل فيأخذ ليباهي به ، وليس علي أن أعلم هؤلاء إلا رجل يجيئني فيهتم لأمر دينه ، فحينئذ لا يسعني أن أمنعه .

                                                                          وقال محمد بن عبد الوهاب : سمعت علي بن عثام يقول : سئل مالك بن أنس عن الشطرنج ، فقال مالك للسائل : أمن الحق هو ؟ قال : لا . قال : فماذا بعد الحق إلا الضلال !

                                                                          وقال أيضا : سمعت علي بن عثام يقول : قال سريج وكان من علية مشايخنا : أنجح الدعاء على الله : ما شاء الله .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : كانت أم حاتم من أسخى الناس ، فقيل : أجيعوها جوعا فلعلها تمسك ، فأجيعت ، فقالت : جعت جوعة فآليت لا أمنع الدهر جائعا .

                                                                          [ ص: 60 ] وقال : كان علي بن عثام إذا دخل الحمام ذهب إلى دستجرد هاني فأعطى الحمامي درهمين ، وقال : أخرج من فيه ، فيدخل وحده فيصنع ما بدا له في الحمام من اطلاء وغيره .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : إن طريق البر سهل ، وإن طريق القطيعة وعر .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : قال مخلد بن الحسين : صحبت عتبة الغلام ، ويحيى الواسطي وكأنهما عيبتهما الملائكة .

                                                                          قال : وقال عتبة : اشتروا لي فرسا يغيظ العدو إذا رآه .

                                                                          قال : وكان يقال : إن كان أحد قلبه معلق بالعرش فعتبة الغلام كان يخرج فيقال له : استقبلك أحد ؟ فيقول : لا ، اشتغالا بما هو فيه .

                                                                          قال : فأصاب الناس ظلمة فخرج عتبة فقيل له : ظلمة ، ويداه على رأسه ، وهو يقول : يا عتبة ، وأنت تشتري التمر بالقراريط! إلى هنا عن محمد بن عبد الوهاب عن علي بن عثام .

                                                                          وقال الحسين بن منصور بن جعفر : سمعت علي بن عثام يقول : قلت لأحمد بن حنبل : من أسأل ؟ قال : بشر بن الحارث ، وما أراه يجيب .

                                                                          وقال أيضا : حدثنا علي بن عثام ، قال : قال داود الطائي : إنما يسأل السلامة من لم يقع ، فأما من وقع فإنما يسأل الخلاص .

                                                                          [ ص: 61 ] قال : وكان يقول : اللهم خلص خلص !

                                                                          وقال علي بن الحسن الهلالي : حدثني علي بن عثام ، قال : قال كهمس الهلالي : بكيت على ذنب عشرين سنة . قالوا : وما هو ؟ قال : غديت رجلا فأخذت من جدار جار لي قطعة لبن ليغسل يده .

                                                                          قال : وقال عطاء السليمي : بكيت على ذنب أربعين سنة ، صدت حمامة ، وإني أحمد الله إليكم ، تصدقت بثمنها على المساكين !

                                                                          وقال محمد بن شاذان : سمعت بشر بن الحكم يقول : كان علي بن عثام يدلنا على المشيخة وهو غلام ، وفي رأسه قلنسوة طويلة .

                                                                          وقال الحسين بن منصور بن جعفر : سمعت علي بن عثام يقول : أتيت غندرا ، فذكر من فضله وعلمه بحديث شعبة ، فقال : هات كتابك ، فأبيت إلا أن يخرج كتابه ، قال : فأخرجه ، وقال : يزعم الناس أني اشتريت سمكا ، فأكلوه ولطخوا يدي ونمت ، فلما استيقظت وطلبته ، قالوا : شم يدك ، فما كان يدلني بطني ، وكان مغفلا .

                                                                          وقال أيضا : سمعت علي بن عثام ، وقال له رجل : كيف حديث العقبة ؟ قال : كيف يصح وهو كذب ، من حدث به فهو فاسق فاجر كاذب . فلما خرج السائل ، قال : كلكم يا بني حمان مزكوم ، ما ذكر العقبة إنسان فيه خير . ثم قال لي : يزعم الرافضة [ ص: 62 ] أن عمر نفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته يعني ليلة العقبة كما قال الشيخ الخبيث .

                                                                          وقال أيضا : سمعت علي بن عثام يقول : عبيدة ومسروق وسريج وعامة من شهد القادسية جاهليون وإسلاميون .

                                                                          وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء : أخبرنا علي بن عثام عند يحيى بن يحيى قال : حدثنا حفص بن غياث عن محمد بن إسحاق قال : قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود معتلا من رجله ، وكان يقوم على رجل حتى يصبح . قال علي : وكان الأسود ذهبت عينه ، ولم يعلم بها ما شاء الله .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يذكر عن أبيه قال : قيل للأعمش : ألا تموت فنحدث عنك ؟ قال : كم من حب أصبهاني قد تكسر على رأسه كيزان كثيرة .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : جاء رجل إلى شريك ، فقال : إني تزوجت جارية فإذا أردتها قالت : تقتلني تقتلني ، قال : إن قتلتها فعلي ديتها .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : مر أبو حنيفة بالمدينة وأميرها رجل علوي يقال له : الحسين بن زيد فقال لغلام أسود مائق : قم إلى هذا الشيخ فخذ بلجام دابته ، فقل له : من خير [ ص: 63 ] الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قال : أبو بكر ، فاهشم أنفه . فقام إليه ، فأخذ بلجامه ، فقال : من خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : العباس بن عبد المطلب .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : بلغني أن أم حكيم بن حزام ولدت حكيم بن حزام في جوف الكعبة فمخضت به فولدته .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : قل للذين يزعمون أن فلانا غلط وصحف يخرجوا كتبهم ، فلو أبرزوها لرأيت فيها العجائب ، ولكن الرجل يذاكر عشرين سنة حتى يعرف حديثه .

                                                                          وقال : دفت إلينا دافة من بني هلال ، وهم من أفصح الناس ، فخرج على بعضهم بني له : فقال : يا أبة ، إن فلانا دفعني في حومة الماء . قلت : يا بني ، وما حومة الماء ؟ قال : بعثطه . فقلت : وما بعثطه يا بني ؟ قال : مجمة الماء . قلت : وما مجمة الماء ؟ فقال كلمة لم أحفظها .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : قام سائل ، فقال : نقص الكيل ، وعجفت الخيل ، وقل النيل ، وسعت وشاة بيننا وبين بني فلان فما ينقخ في وضح ونحن في عيال جدبة ، فمن يقرض الله قرضا حسنا فإن الله لم يسأل القرض من عدم ، ولكن ليبلو الأخبار ، ويجزي بالأعمال .

                                                                          وقال : قلت لعلي بن عثام : لا يجنى عليك ولا يجنى عليه ؟ [ ص: 64 ] ففسره لي على معنى أنه لا يؤخذ الواحد منا بجريرة صاحبه .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : إنما أخذ العقل من عقال الإبل ، وذلك أنها تنزع من أوطانها فتشرد ، فترجع إلى أوطانها ، فكذلك العقل يعقل صاحبه . وقال عامر بن عبد قيس : إذا عقلك عقلك عما لا ينبغي فأنت عاقل .

                                                                          قال : وقلت لعلي بن عثام : من أفصح الناس ؟ قال : هوازن الذين استرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم .

                                                                          قال : وسألت علي بن عثام عن الهجان ، فقال : الهجان : كرائم كل شيء ، وأم إبراهيم هجان اللون ، حسنة اللون .

                                                                          قال : وسمعت علي بن عثام يقول : من لم يتعلم الشعر لم يتقن الحديث .

                                                                          وقال : سألت علي بن عثام عن الغلوة ، فقال : هو أن يرمى السهم هكذا في السماء ، فحيث ما وقع فهو غلوة .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : كانت خراسان وأرمينية يسميان الفرخين . وقال الحجاج بن يوسف : إن أمير المؤمنين ولاني الفرخين . يعني : خراسان وأرمينية .

                                                                          وقال : قلت لعلي بن عثام : ما الذفرى ؟ قال : أما رأيت ما ينطف من البعير ؟ ! وقال : سألت علي بن عثام عن قول الربيع بنت معوذ : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقناع من تمر وأجر زغب . قال : قثاء ، وهي تسمى الجراء ، والواحد جرو وجرو ، والجمع أجر .

                                                                          وقال : قال علي : حروراء على شاطئ الفرات ، وبها سميت [ ص: 65 ] الحرورية وطين الكوفة الجر للسطوح من حروراء .

                                                                          قال : وسمعت علي بن عثام يحدث عن أبيه عن الأعمش قال أتاني أبو الصنارة بمال لا ضرب له به ، قال : ففرقتها ، فأتاني بعد أيام فقال : يا مهران بن مهران قال : يصغره - أين الربح ؟ قال : قلت : إنما كانت منذ أيام . قال : رد علي مالي يا مهران بن مهران . قال : فاستقرضت له دون ماله فدفعتها إليه ، فأتاني بها في طرف ثوبه ، فقال : يا مهران بن مهران إني أعطيتكها بيضا طازجة كأن في خلالها ألبان الشول ، وهذه سود مكسرة كأنها أظفار جراء في خلالها دخان الطرفاء ، لقد أتيتني بها شيطانية وخزفا .

                                                                          وقال : سمعت علي بن عثام يقول : شهد أعرابي على رجل بالزنا فقال : لم أره يهب فيها كما يهب الميل في المكحلة ، ولكني رأيت هذا يحفزها بمؤخره ويحيدها ، وخفي علي المسلك . قال : وشهد أعرابي على رجلين فقال : رأيت هذا شال الحجر ، وهذا شال الحجر ، ثم التقوا ، ثم تفرق القوم فرأيت هذا يستدمي .

                                                                          إلى هنا عن محمد بن عبد الوهاب عن علي بن عثام .

                                                                          وقال أبو العباس محمد بن يحيى البشاني الأديب : سمعت [ ص: 66 ] أبي يقول : سألت علي بن عثام العامري الفقيه عن أسامي العرب ، قال : كانت العرب تسمي أولادها على الفأل ، وإذا ولد له ولد يخرج ، فأول شيء يستقبله سماه به : كلب ، وكليب ، وجري ، وعرفطة ، وعوسجة ، ولم يكن إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وهذه الأسماء من أسماء العرب .

                                                                          قال الحاكم أبو عبد الله : قرأت بخط أبي عمرو المستملي سمعت محمد بن عبد الوهاب يقول : ورد علي بن عثام العامري نيسابور سنة خمس ومائتين فسكنها ، فلما ورد عبد الله بن طاهر بعث إليه يسأله حضور مجالسه ، فأبى عليه وتشفع بإسحاق بن راهويه حتى أعفاه ، ثم خرج من نيسابور سنة خمس وعشرين ومائتين ، فحج ، ثم خرج إلى طرسوس فسكنها إلى أن توفي بطرسوس سنة ثمان وعشرين ومائتين .

                                                                          زاد غيره : في آخر أيام التشريق .

                                                                          روى له مسلم حديثا ، والنسائي في " اليوم والليلة " حديثا ، وقد كتبنا حديث مسلم في ترجمة سعير بن الخمس .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية