الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          3847 - (ع) : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن [ ص: 446 ] عبد شمس بن عبد مناف القرشي ، أبو عمرو ، ويقال : أبو عبد الله ، ويقال : أبو ليلى الأموي ، أمير المؤمنين ذو النورين .

                                                                          أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          أسلم قديما وهاجر الهجرتين ، وتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية فماتت عنده ، ثم تزوج أم كلثوم فماتت عنده أيضا .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (ع) ، وعن أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب .

                                                                          روى عنه : ابنه أبان بن عثمان بن عفان (بخ م 4) ، والأحنف بن قيس (س) ، وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف ، وأنس بن مالك (خ ت س) ، وبسر بن سعيد (س) ، وثعلبة بن أبي مالك القرظي ، وثمامة بن حزن القشيري (ت س) ، والحسن البصري (بخ ق) ، وأبو ساسان حضين بن المنذر (م) ، ومولاه حمران بن أبان (ع) ، ورباح الكوفي (د) ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن خالد الجهني (خ م) ، ومولاه زيد بن دارة ، والسائب بن يزيد (خ) ، وسعيد بن العاص الأموي ، وابنه سعيد بن عثمان بن عفان (بخ م فق) ، وسعيد بن المسيب (خ م س ق) [ ص: 447 ] ، وسلمة بن الأكوع (تم) ، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي (د ت ق) ، وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، وطارق بن أشيم الأشجعي (ت) ، وطارق بن شهاب الأحمسي (ت) ، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وأبو عبد الرحمن بن عبد الله بن حبيب السلمي (خ 4) ، وعبد الله بن الزبير بن العوام (خ ق) ، وعبد الله بن شقيق العقيلي (م) ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة (س) ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، وعبد الله بن عباس (د ت س) ، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة (د) وعبد الله بن عمر بن الخطاب (س) ، وعبد الله بن مسعود ومات قبله ، وعبد الله بن مغفل المزني ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (س) وعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري (م د ت) ، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي (م) ، وعبيد الله بن الأسود الخولاني (خ م) ، وعبيد الله بن عدي بن الخيار (خ) ، وعثمان بن .عبد الله بن الحكم بن الحارث (ق) ، وعطاء بن أبي رباح (ق) ، ولم يسمع منه ، وعطاء بن فروخ مولى قريش (س ق) ، وعقبة بن صهبان الحداني (و) ، وعلقمة بن قيس النخعي (م س) ، وعمرو بن سعيد بن العاص (م) ، وابنه عمرو بن عثمان بن عفان ، وعمران بن حصين ، وقيس بن أبي حازم البجلي ، ومالك بن أوس بن الحدثان النصري (م د ت س .) ، ومالك بن أبي عامر الأصبحي (م) ، جد مالك بن أنس ، ومحمد بن علي ابن الحنفية (خ) ، ومحمود بن لبيد الأنصاري (م ت ق) ، ومروان بن الحكم الأموي (خ س) ، والمغيرة بن شعبة ، والنزال بن سبرة الهلالي ، ونفيع مكاتب أم سلمة (كد) ، وهاني البربري مولى عثمان (د ت ق) ، ووهب بن عمير ، ويحيى بن سعيد بن العاص ، ويوسف بن عبد الله بن سلام ، ويوسف [ ص: 448 ] والد محمد بن يوسف مولى عثمان (ق) ، وأبو ثور الفهمي ، وأبو رجاء العطاردي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (س) ، ومولاه أبو سهلة (ت) ، ومولاه أبو صالح (ت س) ، وأبو عبيد مولى ابن أزهر (خ س) ، وأبو علقمة مولى بني هاشم (د) ، وأبو قتادة الأنصاري ، وأبو هريرة ، وأم المهاجر الرومية (بخ) .

                                                                          قال أبو عمر بن عبد البر : يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو كنيتان مشهورتان ، وأبو عمرو أشهرهما ، قيل : إنه ولدت له رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنا فسماه عبد الله واكتنى به ومات ثم ولد له عمرو فاكتنى به إلى أن مات .

                                                                          وقد قيل : إنه كان يكنى أبا ليلى .

                                                                          ولد في السنة السادسة بعد الفيل ، هاجر إلى أرض الحبشة فارا بدينه معه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أول خارج إليها وتابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة ، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة ولم يشهد بدرا لتخلفه على تمريض زوجته رقية ، كانت عليلة ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف عليها ، هكذا ذكر أبو إسحاق .

                                                                          قال : وقال غيره : بل كان مريضا به الجدري ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجع . وضرب له بسهمه وأجره فهو معدود في البدريين لذلك .

                                                                          وماتت رقية في سنة ثنتين من الهجرة حين أتى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه يوم بدر .

                                                                          قال : وأما تخلفه عن بيعة الرضوان بالحديبية ; فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجهه إلى مكة في أمر لا يقوم به غيره من صلح [ ص: 449 ] قريش على أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمرة ، فلما أتاه الخبر الكاذب أن عثمان قد قتل جمع أصحابه فدعاهم إلى البيعة ، فبايعوه على قتال أهل مكة يومئذ ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان حينئذ بإحدى يديه على الأخرى ، ثم أتاه الخبر بأن عثمان لم يقتل وما كان سبب بيعة الرضوان إلا ما بلغه صلى الله عليه وسلم من قتل عثمان .

                                                                          وروينا عن ابن عمر أنه قال : يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لنفسه ، فهو أيضا معدود في أهل الحديبية من أجل ما ذكرنا .

                                                                          زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية ثم أم كلثوم واحدة بعد واحدة ، وقال : لو كان عندي غيرهما لزوجتكها .

                                                                          قال : وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت ربي عز وجل أن لا يدخل النار من صاهر إلي أو صاهرت إليه .

                                                                          وقال سهل بن سعد : ارتج أحد وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر ، وعثمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .

                                                                          وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض .

                                                                          وروى نافع عن ابن عمر ، قال : كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت . فقيل : هذا في التفضيل ، وقيل : في الخلافة .

                                                                          [ ص: 450 ] وقيل للمهلب بن أبي صفرة : لم قيل : عثمان ذو النورين ؟ قال : لأنه لم يعلم أن أحدا أرسل سترا على ابنتي نبي غيره .

                                                                          وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة : بايعنا خيرنا ولم نأل .

                                                                          وقال علي : كان عثمان أوصلنا للرحم ، وكان من الذين آمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين .

                                                                          واشترى عثمان بئر رومة وكانت ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين ويضرب بدلوه في دلائهم وله بها مشرب في الجنة ، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها فأبى أن يبيعها كلها فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم ، فجعله للمسلمين . فقال له عثمان : إن شئت جعلت على نصيبي فرسين ، وإن شئت فلي يوم ولك يوم ، قال : بل لك يوم ولي يوم ، وكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين ، فلما رأى ذلك اليهودي ، قال : أفسدت علي ركيتي فاشترى النصف الآخر بثمانية آلاف درهم .

                                                                          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يزيد في مسجدنا ؟ فاشترى عثمان موضع خمس سوار فزاده في المسجد
                                                                          ، وجهز جيش العسرة بتسع مائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا ، وجيش العسرة كان في غزاة تبوك .

                                                                          وقال أبو هلال الراسبي : حدثنا قتادة ، قال : حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا .

                                                                          وقال أبو هلال أيضا : حدثنا محمد بن سيرين أن عثمان كان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن .

                                                                          [ ص: 451 ] وقال سلام بن مسكين : سمعت محمد بن سيرين يقول : قالت امرأة عثمان حين أطافوا به يريدون قتله : إن يقتلوه أو يتركوه فإنه كان يحيي الليل بركعة يجمع فيها القرآن .

                                                                          وقال السري بن يحيى ، عن ابن سيرين : كثر المال في زمان عثمان حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم .

                                                                          وقال سالم ، عن ابن عمر : لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوها عليه .

                                                                          وقال محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جده علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس ، فقال : يا عثمان إنك قد ركبت بالناس النهابير وركبوها منك فتب إلى الله وليتوبوا ، قال : فالتفت إليه عثمان وقال : إنك لهناك يا ابن النابغة ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال : أتوب إلى الله ، اللهم أنا أول تائب إليك .

                                                                          وقال مبارك بن فضالة : سمعت الحسن يقول : سمعت عثمان يخطب يقول : يا أيها الناس ما تنقمون علي وما من يوم إلا وأنتم تقتسمون فيه خيرا .

                                                                          قال الحسن : شهدت مناديه ينادي : يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم ، فيغدون فيأخذونها وافرة ، يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم ، فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله سمعته أذناي يقول : اغدوا على كسواتكم فيأخذون الحلل ، واغدوا على السمن والعسل ، قال الحسن : أرزاق دارة وخير كثير ، وذات بين حسن ما على الأرض مؤمن [ ص: 452 ] يخاف مؤمنا إلا يوده ويبصره ويألفه ، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والأرزاق ، ولكنهم لم يصبروا وسلوا السيف مع من سل ، فصار عن الكفار مغمدا وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة .

                                                                          وكان عثمان رحمه الله رجلا ربعة ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه ، رقيق البشرة ، كبير اللحية عظيمها ، أسمر اللون ، كثير الشعر ، ضخم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ، كان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب .

                                                                          وقال في موضع آخر : كان شيخا جميلا ، طويل اللحية ، حسن الوجه .

                                                                          وقال عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة : أتينا عائشة نسألها عن عثمان ، فقالت : اجلسوا أحدثكم عما جئتم له ، إنا عتبنا على عثمان في ثلاث خلال - ولم تذكرهن - فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يمص الثوب بالصابون اقتحموا الفقر الثلاثة : حرمة البلد الحرام ، وحرمة الشهر الحرام ، وحرمة الخلافة ، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرحم وأتقاهم لربه .

                                                                          وقال عبد الله بن المبارك : عن الزبير بن عبد الله بن أبي خالد ، عن جدته رهيمة ، وكانت خادمة لعثمان ، قالت : كان عثمان لا يوقظ نائما من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه ، وكان يصوم الدهر .

                                                                          وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا إلي بعض أصحابي . ، فقلت : [ ص: 453 ] أبو بكر ؟ قال : لا ، فقلت عمر ؟ قال : لا ، فقلت : ابن عمك علي ؟ قال : لا . فقلت : عثمان ؟ قال : نعم . فلما جاءه قال لي بيده فتنحيت ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يساره ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر قيل له : ألا تقاتل ؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وأنا صابر نفسي عليه .

                                                                          وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد : أشرف عليهم عثمان وهو محصور ، فقال : السلام عليكم ، فما رد عليه أحد ، فقال : أنشدكم الله ، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة من مالي وجعلت فيها رشائي كرشاء رجل من المسلمين ؟ قيل : نعم ، قال : فعلام تمنعوني أن أشرب من مائها وأفطر على الماء المالح ؟ ثم قال : أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت كذا وكذا من أرض وزدته في المسجد ، فهل علمتم أن أحدا منع أن يصلي فيه مثلي ؟ وقال ابن عمر : أذنب عثمان ذنبا عظيما يوم التقى الجمعان بأحد فعفا الله عنه ، وأذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه .

                                                                          قال : وسئل ابن عمر عن علي وعثمان فقال للسائل : قبحك الله إنك لتسألني عن رجلين كلاهما خير مني ، تريد أن أغض من أحدهما وأرفع من الآخر ! وقال علي رضي الله عنه : من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من [ ص: 454 ] الإيمان ، والله ما أعنت على قتله ولا أمرت ولا رضيت . ومناقبه وفضائله كثيرة جدا .

                                                                          بويع له بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام باجتماع الناس عليه .

                                                                          وقتل بالمدينة يوم الجمعة لثماني عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة .

                                                                          ذكره المدائني عن أبي معشر عن نافع .

                                                                          وقال معتمر بن سليمان عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي : قتل في وسط أيام التشريق .

                                                                          وقال ابن عثمان : قتل على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب ، وعلى رأس خمس وعشرين من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال الواقدي : قتل يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين ، وقد قيل : إنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة .

                                                                          وروي ذلك عن الواقدي أيضا .

                                                                          قال الواقدي : وحاصروه تسعة وأربعين يوما .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : حاصروه شهرين وعشرين يوما ، وكان أول من دخل عليه الدار محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته ، فقال له : دعها يا ابن أخي فوالله لقد كان أبوك يكرمها فاستحى وخرج ، ثم دخل عليه رومان بن سرحان رجل أزرق قصير مجدور عداده في مراد وهو من ذي [ ص: 455 ] أصبح معه خنجر فاستقبله به ، وقال : على أي دين أنت يا نعثل ؟ فقال عثمان : لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان ، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين ، قال : كذبت ، وضربه على صدغه الأيسر ، فقتله ، فخر ، وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها ، وكانت امرأة جسيمة ، ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا ، فقال : والله لأقطعن أنفه فكشفت عن ذراعيها وقبضت على السيف فقطع إبهامها ، فقالت لغلام لعثمان يقال له رباح ومعه سيف عثمان : أعني على هذا وأخرجه عني فضربه الغلام بالسيف فقتله ، وأقام عثمان يومه ذلك مطروحا إلى الليل فحمله رجال على باب ليدفنوه ، فعرض لهم ناس يمنعونهم من دفنه فوجدوا قبرا قد كان حفر لغيره فدفنوه فيه ، وصلى عليه جبير بن مطعم .

                                                                          واختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل : محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص ، وقيل : بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره ، وكان الذي قتله سودان بن حمران ، وقيل : بل ولي قتله رومان اليماني ، وقيل : بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة ، وقيل : إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها ، وقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن أبي سرح ، وما أغنى عنك ابن عامر ؟ فقال له : يا ابن أخي أرسل لحيتي ، فوالله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك ، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني ، فيقال : إنه حينئذ تركه وخرج عنه ، ويقال : إنه حينئذ [ ص: 456 ] أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه ، والله أعلم .

                                                                          وأكثرهم يروي أن قطرة أو قطرات من دمه سقطت على المصحف على قوله عز وجل فسيكفيكهم الله

                                                                          وقال محمد بن طلحة بن مصرف ، عن كنانة مولى صفية بنت حيي : شهدت مقتل عثمان فأخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرؤون عن عثمان ; الحسن بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، ومحمد بن حاطب ، ومروان بن الحكم .

                                                                          قال محمد بن طلحة : فقلت له : هل ندي محمد بن أبي بكر بشيء من دمه ؟ فقال : معاذ الله ، دخل عليه فقال له عثمان : يا ابن أخي لست بصاحبي ، وكلمه بكلام فخرج ولم يند بشيء من دمه ، قال : فقلت لكنانة : من قتله ؟ قال : قتله رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم ، ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول : أنا قاتل نعثل .

                                                                          وقال سعيد المقبري ، عن أبي هريرة : إني لمحصور مع عثمان في الدار ، قال : فرمي رجل منا ، فقلت : يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب ، قتلوا منا رجلا ، قال : عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت بسيفك فإنما يراد نفسي ، وسأقي المؤمنين بنفسي .

                                                                          قال أبو هريرة : فرميت بسيفي فلا أدري أين هو حتى الساعة ، وكان معه في الدار ممن يريد الرفع عنه عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن سلام ، وعبد الله بن الزبير ، والحسن بن علي ، وأبو هريرة ، ومحمد بن حاطب ، وزيد بن ثابت ، ومروان بن الحكم في طائفة من الناس منهم : المغيرة بن الأخنس ويومئذ قتل المغيرة بن الأخنس قبل قتله رحمهما الله .

                                                                          وقال الأعمش ، عن ثابت بن عبيد ، عن أبي جعفر الأنصاري : [ ص: 457 ] دخلت مع المصريين على عثمان فلما ضربوه خرجت أشتد حتى ملأت فروجي عدوا حتى دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء ، فقال : ويحك ما وراءك ؟ قلت : قد والله فرغ من الرجل ! فقال : تبا لكم آخر الدهر ، فنظرت فإذا هو علي رضي الله عنه .

                                                                          وقال عبد الملك بن الماجشون ، عن مالك : لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان في الليل أتاه اثنا عشر رجلا فيهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير فاحتملوه فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن : والله لئن دفنتموه ها هنا لنخبرن الناس غدا فاحتملوه ، وكان على باب وإن رأسه على الباب ليقول : طق طق ، حتى ساروا به إلى حش كوكب فاحتفروا له ، وكانت عائشة بنت عثمان معها مصباح ، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت ، فقال لها ابن الزبير : والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك ، فسكتت ، فدفن .

                                                                          قال مالك : وكان عثمان يمر بحش كوكب فيقول : إنه سيدفن ها هنا رجل صالح .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : أرادوا أن يصلوا على عثمان فمنعوا ، فقال رجل من قريش أبو جهم بن حذيفة : دعوه فقد صلى الله عليه ورسوله .

                                                                          واختلف في سنه حين قتل ، فقال ابن إسحاق : قتل وهو ابن ثمانين سنة وقال غيره : قتل وهو ابن ثمان وثمانين سنة .

                                                                          وقيل : ابن تسعين سنة .

                                                                          وقال قتادة : قتل وهو ابن ست وثمانين .

                                                                          وقال الواقدي : لا خلاف عندنا أنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، وهو قول أبي اليقظان ، ودفن بليل في موضع يقال له : حش [ ص: 458 ] كوكب ، وكوكب رجل من الأنصار ، والحش : البستان ، كان عثمان قد اشتراه وزاده في البقيع ، وكان أول من قبر فيه وحمل على لوح سرا .

                                                                          وقد قيل : إنه صلى عليه ابنه عمرو بن عثمان ، وقيل : بل صلى عليه حكيم بن حزام ، وقيل : المسور بن مخرمة ، وقيل : كانوا خمسة أو ستة وهم : جبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حيفة ، ونيار بن مكرم ، وزوجتاه نائلة وأم البنين بنت عيينة .

                                                                          ونزل في قبره نيار وأبو جهم ، وجبير .

                                                                          وكان حكيم ، وأم البنين ، ونائلة يدلونه ، فلما دفنوه غيبوا قبره .

                                                                          وقال ابن إسحاق : كانت ولايته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما .

                                                                          وقال غيره : كانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما ، وقيل : ثمانية عشر يوما .

                                                                          قال حسان بن ثابت .


                                                                          من سره الموت صرفا لا مزاج له فليأت مأدبة في دار عثمانا     ضحوا بأشمط عنوان السجود به
                                                                          يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

                                                                          وهذا البيت يختلف فيه ، ينسب إلى غيره ، وبعضهم يقول : هو لعمران بن حطان ، ومنها :


                                                                          صبرا فدى لكم أمي وما ولدت     قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا
                                                                          ليسمعن وشيكا في ديارهم     الله أكبر يا ثارات عثمانا

                                                                          قال : وزاد أهل الشام فيها أبياتا لم أر لذكرها وجها .

                                                                          وقال حسان بن ثابت أيضا :


                                                                          إن تمس دار بني عفان موحشة     باب صريع وباب محرق خرب
                                                                          [ ص: 459 ] فقد يصادف باغي الخير حاجته     فيها ويأوي إليها الجود والحسب .

                                                                          قال : وقال كعب بن مالك :


                                                                          يا للرجال لأمر هاج لي حزنا     لقد عجبت لمن يبكي على الزمن
                                                                          إني رأيت قتيل الله مضطهدا     عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن
                                                                          يا قاتل الله قوما كان أمرهم     قتل الإمام الزكي الطيب الردن
                                                                          ما قاتلوه على ذنب ألم به     إلا الذي نطقوا زورا ولم يكن

                                                                          قال : ومما ينسب إلى كعب بن مالك - وقال مصعب : هي لحسان . وقال عمر بن شبة : هي للوليد بن عقبة :


                                                                          فكف يديه ثم أغلق بابه     وأيقن أن الله ليس بغافل
                                                                          وقال لأهل الدار لا تقتلوهم     عفا الله عن ذنب امرئ لم يقاتل
                                                                          فكيف رأيت الله ألقى عليهم الـ     عداوة والبغضاء بعد التواصل
                                                                          وكيف رأيت الخير أدبر بعده     عن الناس إدبار السحاب الجوافل

                                                                          وقال حميد بن ثور الهلالي :


                                                                          إن الخلافة لما أظعنت ظعنت     عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا
                                                                          سارت إلى أهلها منهم ووارثها     لما رأى الله من عثمان ما انتهكوا

                                                                          وقال أيمن بن خريم :


                                                                          ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى     فأي ذبح حرام ويحهم ذبحوا
                                                                          وأي سنة كفر سن أولهم     وباب شر على سلطانهم فتحوا
                                                                          ماذا أرادوا أضل الله سعيهم     بسفك ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا

                                                                          [ ص: 460 ] والأشعار في ذلك كثيرة جدا .

                                                                          وقال سعيد بن زيد : لو أن أحدا انقض لما فعل بعثمان ، لكان حقيقا أن ينقض .

                                                                          وقال ابن عباس : لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط .

                                                                          وقال عبد الله بن سلام : لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا تغلق عنهم إلى قيام الساعة .

                                                                          وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان : قال لي سعيد بن المسيب : انظر إلى وجه هذا الرجل ، فنظرت فإذا هو مسود الوجه . فقال : سل عن أمره . فقلت : حسبي أنت ، حدثني . فقال : إن هذا كان يسب عليا وعثمان فكنت أنهاه فلا ينتهي ، فقلت : اللهم إن هذا يسب رجلين قد سبق لهما ما تعلم ، اللهم إن كان يسخطك ما يقول فيهما فأرني به آية . قال : فاسود وجهه كما ترى .

                                                                          وقال معتمر بن سليمان ، عن حميد الطويل : قيل لأنس بن مالك : إن حب علي وعثمان لا يجتمعان في قلب أحد ! فقال أنس : كذبوا ، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا .

                                                                          إلى هنا عن أبي عمر بن عبد البر ، كتبته على الوجه سوى شيء يسير .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية