الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 379 ] 39 - قالوا : أحاديث يخالفها الإجماع

        المسح على العمامة

        قالوا : رويتم عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عمرو بن وهب الثقفي ، عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرز لحاجته ، فأتبعته بماء فتوضأ ومسح على عمامته ، ثم صلى الغداة .

        ورويتم عن أبي معاوية عن الأعمش ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، عن بلال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخمار .

        ورويتم عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أمية الضمري قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح على العمامة .

        [ ص: 380 ] قالوا : وهذه طرق جياد عندكم وقد تركتم العمل بها من غير أن ترووا لذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسخا .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إن الحق يثبت عندنا بالإجماع أكثر من ثبوته بالرواية ؛ لأن الحديث قد تعترض فيه عوارض من السهو والإغفال وتدخل عليه الشبه والتأويلات والنسخ ويأخذه الثقة عن غير الثقة ، وقد يأتي بأمرين مختلفين وهما جميعا جائزان كالتسليمة الواحدة والتسليمتين .

        وقد يحضر الأمر - يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم - رجل ، ثم يأمر بخلافه ولا يحضره هو ، فينقل إلينا الأمر الأول ولا ينقل إلينا الثاني ؛ لأنه لم يعلمه ، والإجماع سليم من هذه الأسباب كلها ؛ ولذلك كان مالك - رحمه الله - يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، ثم يقول : والعمل ببلدنا على كذا لأمر يخالف ذلك الحديث ؛ لأن بلده بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كان العمل في عصره على أمر من الأمور ، صار العمل في العصر الثاني عليه ، وكذلك في العصر الثالث والرابع وما بعده ، ولا يجوز أن يكون الناس جميعا ينتقلون عن شيء كانوا عليه في بلده وعصره إلى غيره ، فقرن عن قرن ، أكثر من واحد عن واحد ، وقد روى الناس أحاديث متصلة وتركوا العمل بها ، منها حديث سفيان وحماد بن زيد عن عمرو بن دينار ، عن جابر ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة آمنا لا يخاف .

        والفقهاء جميعا على ترك العمل بهذا ، إما لأنه منسوخ ، أو لأنه فعله في حال ضرورة ، إما لمطر أو شغل .

        [ ص: 381 ] ومنها حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثه . والفقهاء على خلاف ذلك ، إما لاتهامهم عوسجة بهذا وأنه ممن لا يثبت به فرض أو سنة .

        وإما لتحريف في التأويل ، كأن تأويله لم يدع وارثا إلا مولى هو أعتق الميت .

        ، فيجوز على هذا التأويل أن يكون وارثا ؛ لأنه مولى المتوفى ، وإما النسخ .

        ومنها حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب ، والناس يتنازعون في القنوت في الصبح ولا يختلفون في تركه في المغرب ، ومثل هذا كثير .

        وكذلك المسح على العمامة والخمار ، وقد أجمع الفقهاء على تركه ولم يجمعوا على ذلك مع مجيئه من الطريق المرتضى عندهم ، إلا لنسخ أو لأنه رئي يمسح على العمامة وعلى الرأس تحت العمامة ، فنقل الناقل أغرب الخبرين ؛ لأن المسح على الرأس لا ينكر ولا يستغرب إذ كان الناس جميعا عليه ، وإنما يستغرب الخمار .

        [ ص: 382 ] واستشهدوا على ذلك بحديث آخر للمغيرة رواه الوليد بن مسلم ، عن ثور ، عن رجاء بن حيوة ، عن وراد ، عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته وعمامته ، والمسح بالناصية فرض في الكتاب ، فلا يزول بحديث مختلف في لفظه ، ونحو هذا رواية بعضهم أنه مسح على النعلين ، ورواية آخر أنه مسح على الجوربين ، وإنما مسح على الجوربين في النعلين ، فنقل كل واحد أحد الأمرين .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية