الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 427 ] ذكر ما يجب على المرء من مجانبة أفعال يتوقع

                                                                                                                          لمرتكبها العقوبة في العقبى بها

                                                                                                                          655 - أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا عيسى بن أحمد أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا عوف عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب الفزاري ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يقول : " هل رأى أحد من رؤيا؟ " فيقص عليه من شاء الله أن يقص ، وإنه قال لنا ذات غداة : إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق ، وإني انطلقت معهما حتى أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه ، فيثلغ بها رأسه ، فتدهدهه الصخرة هاهنا ، فيقوم إلى الحجر فيأخذه فما يرجع إليه - أحسبه قال : [ ص: 428 ] حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى ، قال : قلت : سبحان الله ما هذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، قال : فانطلقت معهما فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر عليه بكلوب من حديد ، فإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح الجانب الأول كما كان ، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى ، قال : قلت : سبحان الله ، ما هذان ؟ قالا : انطلق انطلق ، فانطلقت معهما فأتينا على مثل بناء التنور - قال عوف : أحسب أنه قال : فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا بنهر لهيب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب تضوضوا ، قال : قلت : ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، قال : فانطلقنا [ ص: 429 ] على نهر حسبت أنه قال : أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل يسبح ، وإذا عند شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الرجل الذي جمع الحجارة ، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا ، قال : قلت : ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، قال : فانطلقنا ، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآه ، فإذا هو عند نار يحشها ويسعى حولها ، قال : قلت لهما : ما هذا ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا فأتينا على روضة فيها من كل نور الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل قائم طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وأرى حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط وأحسنه ، قال : قلت لهما : ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا وأتينا دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن ، قالا لي : ارق فيها ، قال : فارتقينا فيها ، فانتهينا إلى [ ص: 430 ] مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة ، فاستفتحنا ، ففتح لنا ، فقلنا : ما منها رجال ، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ، قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، فإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا وقد ذهب ذلك السوء عنهم ، وصاروا في أحسن صورة ، قال : قالا لي : هذه جنة عدن ، وهذاك منزلك ، قال : فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء ، قال : قالا لي : هذاك منزلك ، قال : قلت لهما : بارك الله فيكما ، ذراني أدخله ، قال : قالا لي : أما الآن فلا ، وأنت داخله ، قال : فإني رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟ قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك . أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه ، وينام عن الصلاة المكتوبة .

                                                                                                                          وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق .

                                                                                                                          [ ص: 431 ] وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني .

                                                                                                                          وأما الرجل الذي في النهر ، فيلتقم الحجارة ، فإنه آكل الربا .

                                                                                                                          وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها فإنه مالك خازن جهنم .

                                                                                                                          وأما الرجل الطويل الذي في الروضة ، فإنه إبراهيم عليه السلام .

                                                                                                                          وأما الولدان الذين حوله ، فكل مولود ولد على الفطرة .

                                                                                                                          قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأولاد المشركين .

                                                                                                                          وأما القوم الذين شطر منهم حسن ، وشطر منهم قبيح ، فهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتجاوز الله عنهم
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية