الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون

                                                                                                          1065 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عامر بن سعد عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الطاعون فقال بقية رجز أو عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها قال وفي الباب عن سعد وخزيمة بن ثابت وعبد الرحمن بن عوف وجابر وعائشة قال أبو عيسى حديث أسامة بن زيد حديث حسن صحيح [ ص: 148 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 148 ] قوله : ( بقية رجز ) بكسر الراء أي : عذاب ( أو عذاب ) شك من الراوي ( أرسل على طائفة من بني إسرائيل ) قال الطيبي : هم الذين أمرهم الله تعالى أن يدخلوا الباب سجدا فخالفوا ، قال تعالى فأرسلنا عليهم رجزا من السماء قال ابن الملك : فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا من شيوخهم وكبرائهم ( فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ) قال ابن الملك : فإن العذاب لا يدفعه الفرار ، وإنما يمنعه التوبة والاستغفار ، قال الطيبي : فيه أنه لو خرج لحاجة فلا بأس ( فلا تهبطوا عليها ) بكسر الباء من باب ضرب يضرب ، وفي رواية الشيخين : فلا تقدموا عليه ، والمراد بالهبوط هو القدوم ، وعادة العرب أن يسموا الذهاب بالصعود والقدوم بالهبوط .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سعد ) أي : ابن أبي وقاص أخرجه الطحاوي في شرح الآثار بلفظ : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تفروا منها ، وإذا كان بأرض فلا تهبطوا عليها ( وخزيمة بن ثابت ) لينظر من أخرجه ( وعبد الرحمن بن عوف ) أخرجه الشيخان بلفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ( وجابر ) أخرجه أحمد بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الفار من الطاعون كالفار من الزحف ، والصابر فيه له أجر شهيد قال الحافظ في فتح الباري : سنده صالح للمتابعات ، وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب : إسناده حسن ، وقال الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج إحياء العلوم : إسناده ضعيف ( وعائشة ) أخرجه أحمد بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فناء أمتي بالطعن والطاعون ، فقلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : غدة كغدة الإبل ، المقيم فيها كالشهيد ، والفار منها كالفار من الزحف [ ص: 149 ] قال الحافظ العراقي في المغني عن الأسفار : إسناده جيد ، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : سنده حسن ، وقال الزرقاني : رجاله ثقات ، وأحاديث الباب كلها تدل على حرمة الخروج من أرض وقع بها الطاعون فرارا منه ، وكذا الدخول في أرض وقع بها الطاعون ؛ لأن الأصل في النهي التحريم ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : الفار منها كالفار من الزحف ، قال الحافظ في فتح الباري : ومنهم من قال : النهي فيه للتنزيه فيكره ، ولا يحرم ، وخالفهم جماعة ؛ فقالوا : يحرم الخروج منها لظاهر النهي الثابت في الأحاديث الماضية ، وهذا هو الراجح عند الشافعية ، وغيرهم ، ويؤيده ثبوت الوعيد على ذلك . فأخرج أحمد ، وابن خزيمة من حديث عائشة مرفوعا في أثناء حديث بسند حسن : قلت يا رسول الله فما الطاعون ؟ قال غدة كغدة الإبل ، المقيم فيها كالشهيد ، والفار منها كالفار من الزحف . انتهى ، وقال النووي في شرح مسلم : وفي هذه الأحاديث منع القدوم على بلدة الطاعون ، ومنع الخروج فرارا من ذلك . أما الخروج لعارض فلا بأس ، وهذا الذي ذكرنا هو مذهبنا ومذهب الجمهور ، قال القاضي : هو قول الأكثرين حتى قالت عائشة : الفرار منه كالفرار من الزحف ، قال ومنهم من جوز القدوم عليه والخروج منه فرارا ، ثم قال : والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم عليه والفرار منه لظاهر الأحاديث الصحيحة . انتهى ، وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات : ضابطه دروهمين استكه درانجا كه هست نبايد رفت وازنجاكه باشد نبايد كريخت واكرحه كريختن در بعض مواضع مثل خانه كه دروى زلزله شده يا اتش كرفته يانشستن درزير ديو صاريكه خم شده نزد غلبه ظن بهلاك امده است اما درباب طاعون جز صبرنيا مده وكريختن تحويز نيافته وقياس ابن بران مواد فاسد استكه إنها از قبيل أسباب عادية اندواين از أسباب وهمي وبرهد تقدير كريختن ازانجا جائز نيست وهيج جاوارد نشده وهركه بكريز دعاصى ومرتكب كبيره ومردود است نسأل الله العافية . انتهى ، وقال الشيخ إسماعيل المهاجر الحنفي في تفسيره روح البيان : والفرار من الطاعون حرام ، إلى أن قال : وفي الحديث الفار من الطاعون كالفار من الزحف ، والصابر فيه كالصابر في الزحف فهذا الخبر يدل على أن النهي عن الخروج للتحريم ، وأنه من الكبائر . انتهى ، وقال الزرقاني في شرح الموطأ : والجمهور على أنه للتحريم حتى قال ابن خزيمة : إنه من الكبائر التي يعاقب الله عليها إن لم يعف . انتهى ، وقال في شرح المواهب : وخالفهم الأكثر وقالوا إنه للتحريم ، حتى قال ابن خزيمة : إنه من الكبائر التي يعاقب عليها إن لم يعف ، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : الطاعون غدة كغدة البعير ، المقيم بها كالشهيد ، والفار منه كالفار من الزحف . رواه أحمد برجال ثقات وروى الطبراني وأبو نعيم بإسناد حسن مرفوعا : الطاعون : شهادة لأمتي ووخز أعدائكم من الجن ، غدة كغدة الإبل تخرج في الآباط والمراق ، من مات منه مات شهيدا ، ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله ، ومن فر منه كان [ ص: 150 ] كالفار من الزحف . انتهى ، قلت والحق أن الخروج من أرض وقع فيها الطاعون فرارا منه حرام ، وقد ألفت في هذه المسألة رسالة سميتها " خير الماعون في منع الفرار من الطاعون " .

                                                                                                          قوله : ( حديث أسامة حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه البخاري ، ومسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية