الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الرخصة في ترك القيام لها

                                                                                                          1044 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن واقد وهو ابن عمرو بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع فقال علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد وفي الباب عن الحسن بن علي وابن عباس قال أبو عيسى حديث علي حديث صحيح وفيه رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قال الشافعي وهذا أصح شيء في هذا الباب وهذا الحديث ناسخ للأول إذا رأيتم الجنازة فقوموا وقال أحمد إن شاء قام وإن شاء لم يقم واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه أنه قام ثم قعد وهكذا قال إسحق بن إبراهيم قال أبو عيسى معنى قول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنازة ثم قعد يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد فكان لا يقوم إذا رأى الجنازة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          أي : عند رؤية الجنازة .

                                                                                                          قوله : ( فقال علي : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قعد ) قال البيضاوي : يحتمل قول علي ( ثم قعد ) أي : بعد أن جاوزته وبعدت عنه ، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ، ثم ترك القيام أصلا ، وعلى هذا [ ص: 122 ] يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب ، ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر ، والأول أرجح ؛ لأن احتمال المجاز -يعني في الأمر- أولى من دعوى النسخ . انتهى كلام البيضاوي ، قال الحافظ في الفتح : والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ، ثم حدثهم الحديث ، ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم سليم الرازي ، وغيره من الشافعية ، وقال ابن حزم : قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ، ولا يجوز أن يكون نسخا ؛ لأن النسخ لا يكون إلا بنهي ، أو بترك معه نهي قال الحافظ في الفتح : وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال ، هكذا نفعل ، فقال اجلسوا وخالفوهم أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ . انتهى .

                                                                                                          قلت : ويدل على النسخ ما رواه أحمد عن علي بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس قوله : ( وفي الباب عن الحسن بن علي وابن عباس ) أخرجه النسائي من طريق محمد بن سيرين قال : إن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن : أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي ؟ قال ابن عباس : نعم ، ثم جلس .

                                                                                                          قوله : ( حديث علي حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه مسلم بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنازة ، ثم قعد بعد .

                                                                                                          قوله : ( وهذا الحديث ناسخ للحديث الأول : إذا رأيتم الجنازة فقوموا ) ويدل على النسخ حديث عبادة ، وقد تقدم ، وما رواه أحمد عن علي بلفظ : ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس وتقدم هذا أيضا ، وما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ، ثم حدثهم الحديث ، وقد تقدم هذا أيضا ( وقال أحمد إن شاء قام ، وإن شاء لم يقم إلخ ) فعند أحمد حديث علي هذا ليس بناسخ للحديث الأول ، قال الحازمي في كتاب الاعتبار : وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم على الجالس أن يقوم إذا رأى الجنازة حتى تخلفه ، وممن رأى ذلك أبو مسعود البدري [ ص: 123 ] وأبو سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله ، وقال أحمد بن حنبل إن قام لم أعبه ، وإن قعد فلا بأس به ، وبه قال إسحاق الحنظلي ، وقال أكثر أهل العلم : ليس على أحد القيام للجنازة ، روينا ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن بن علي وعلقمة الأسود والنخعي ونافع بن جبير ، وفعله سعيد بن المسيب ، وبه قال عروة بن الزبير ، ومالك وأهل الحجاز والشافعي ، وأصحابه وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث ، ثم ذكر الحازمي بإسناده حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ، ثم جلس بعد قال : هذا حديث صحيح أخرجه مسلم ، ثم ذكر بإسناده عن مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رحبة الكوفة ، وهو يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس ، ثم ذكر بإسناده عن مجاهد عن أبي معمر قال : مرت بنا جنازة فقمنا فقال من أفتاكم بهذا ؟ قلنا : أبو موسى الأشعري ، فقال : ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة كان يتشبه بأهل الكتاب فلما نسخ ذلك نهى عنه . انتهى ، قال الحازمي فهذه الألفاظ كلها تدل على أن القعود أولى من القيام ، قال الشافعي : قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان الأول واجبا ، فالآخر من أمره ناسخ ، وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب ، وإن كان مباحا لا بأس بالقيام والقعود ، فالقعود أولى ؛ لأنه الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية