الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 453 ] 55 - قالوا : حديثان متناقضان

        هل الفخذ من العورة ؟

        قالوا : رويتم عن مالك ، عن سالم أبي النضر ، عن ابن جرهد ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر عليه وهو كاشف فخذه فقال : غطها فإن الفخذ من العورة ، ثم رويتم عن إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة وعن عطاء بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته كاشفا فخذه ، فاستأذن أبو بكر - رضي الله عنه - فأذن له وهو كذلك ، ثم استأذن عمر - رضي الله عنه - فأذن له وهو كذلك ، ثم استأذن عثمان - رضي الله عنه - فجلس وسوى ثيابه ، فلما خرج قالت له عائشة في ذلك ، فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟ قالوا : وهذا خلاف الحديث الأول .

        [ ص: 454 ] قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس هاهنا اختلاف ولكل واحد من الحديثين موضع ، فإذا وضع بموضعه زال ما توهموه من الاختلاف .

        أما حديث جرهد فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو كاشف فخذه على طريق الناس وبين ملئهم فقال - عليه السلام - له : وار فخذك فإنها من العورة في هذا الموضع ، ولم يقل فإنها عورة ؛ لأن العورة غيرها ، والعورة صنفان : أحدهما فرج الرجل والمرأة والدبر منهما ، وهذا هو عين العورة والذي يجب عليهما أن يستراه في كل وقت وكل موضع وعلى كل حال ، والعورة الأخرى ما داناهما من الفخذ ، ومن مراق البطن ، وسمي ذلك عورة لإحاطته بالعورة ودنوه منها ، وهذه العورة هي التي يجوز للرجل أن يبديها في الحمام وفي المواضع الخالية وفي منزله وعند نسائه ، ولا يحسن به أن يظهرها بين الناس وفي جماعاتهم وأسواقهم ، وليس كل شيء حل للرجل يحسن به أن يظهره في المجامع .

        [ ص: 455 ] فإن الأكل على الطريق وفي السوق حلال وهو قبيح ، ووطء الرجل أمته حلال ، ولا يجوز ذلك بحيث تراه الناس والعيون ، وكانوا يكرهون الوجس وهو أن يطأ الرجل أهله بحيث تحس أهله الأخرى الحركة وتسمع الصوت ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته خاليا فأظهر فخذه لنسائه ، ثم دخل عليه من يأنس به فلم يستره ، فلما صاروا ثلاثة كره باجتماعهم ما كرهه لجرهد من إبدائه لفخذه بين عوام الناس واستتر منهم .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية