الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  227 92 - حدثنا عبدان ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا عمرو بن ميمون الجزري ، عن سليمان بن يسار ، عن عائشة قالت : كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  لم يطابق الحديث الترجمة إلا في غسل المني فقط ، وقد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) : وهم خمسة : عبدان بفتح العين ، وسكون الباء الموحدة تقدم في باب الوحي ، وعبد الله بن المبارك كذلك ، وقال الكرماني : وعبد الله أي ابن المبارك ، فكأنه وقع في نسخته التي ينقل عنها عبد الله منسوبا إلى الأب بالتفسير من البخاري ، فلذلك قال أي ابن المبارك ، ثم قال : وقاله على سبيل التعريف إشعارا بأنه لفظه لا لفظة نسخته ، وعمرو بن ميمون الجزري منسوب إلى الجزيرة ، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها ، فنسب إليها ولده ، وقال بعضهم : ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي ، بواو ساكنة بعدها زاي ، وهو غلط منه ، قلت : الظاهر أن الغلط من الناقل أو الكاتب ، فدور رأس الزاي ونقط الراء فصار الجوزي ، وقد يقع من الناقلين والكتاب الجهلة أكثر من هذا وأفحش ، والرابع سليمان بن يسار ضد اليمين مولى ميمونة أم المؤمنين فقيه المدينة العابد الحجة توفي عام سبعة ومائة ، والخامس عائشة الصديقة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أن رواته ما بين مروزي ، ورقي ، ومدني ، فعبدان ، وابن المبارك مروزيان ، وعبدان لقب ، واسمه عبد الله بن عثمان ، وقد ذكرناه غير مرة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري هنا عن عبدان ، وعن قتيبة ، وعن مسدد ، وعن موسى بن إسماعيل ، وعن عمرو بن خالد كما يأتي ذكر الجميع ها هنا ، وأخرجه مسلم في الطهارة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن أبي كامل ، وعن أبي كريب ، ويحيى بن أبي زائدة ، أربعتهم عن عمرو بن ميمون به ، وأخرجه أبو داود فيه عن النفيلي عن زهير به ، وعن محمد بن عبيد البصري ، عن سليم بن أخضر ، عن عمرو بن ميمون به ، وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ، عن أبي معاوية ، عن عمرو بن ميمون نحوه ، وقال : حسن صحيح ، وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك به [ ص: 147 ] وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبدة بن سليمان ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سألت سليمان بن يسار ، فذكره .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لغته وما يستنبط منه ) قوله : " أغسل الجنابة " ، قال الكرماني : الجنابة معنى لا عين فكيف يغسل ؟ قلت : المضاف محذوف ، أي أثر الجنابة ، أو موجبه ، أو هي مجاز عنه ، ويقال : المراد من الجنابة المني من باب تسمية الشيء باسم سببه ، وأن وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها ، قلت : يجوز أن تكون عائشة رضي الله عنها أطلقت على المني اسم الجنابة ، فحينئذ لا حاجة إلى التقدير بالحذف ، أو بالمجاز ، قوله : " وإن بقع الماء " ، بضم الباء الموحدة وفتح القاف وبالعين المهملة جمع بقعة كالنطف ، والنطفة والبقعة في الأصل قطعة من الأرض يخالف لونها لون يليها ، وفي بعض النسخ بفتح الباء الموحدة ، وسكون القاف جمع بقعة ، كتمرة ، وتمر مما يفرق بين الجنس والواحد منه بالتاء ، وقال التيمي : يريد بالبقعة الأثر ، قال أهل اللغة : البقع اختلاف اللونين ، يقال : غراب أبقع ، وقال ابن بطال : البقع بقع المني ، وطبعه ، قلت : هذا ليس بشيء ; لأن في الحديث صرح " وإن بقع الماء " ، ووقع عند ابن ماجه : " وأنا أرى أثر الغسل فيه " يعني لم يجف .

                                                                                                                                                                                  ومن أحكام هذا الحديث أنه حجة للحنفية في قولهم : إن المني نجس لقول عائشة : " كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم " ، وقولها : " كنت " يدل على تكرار هذا الفعل منها ، فهذا أدل دليل على نجاسة المني ، وقال الكرماني : فالحديث حجة لمن قال بنجاسة المني ، قلت : لا حجة له لاحتمال أن يكون غسله بسبب أن ممره كان نجسا ، أو بسبب اختلاطه برطوبة فرجها على مذهب من قال بنجاسة رطوبة فرجها ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : بلى له حجة ، وتعليله بهذا لدعواه لا يفيد شيئا ; لأن المشرحين من الأطباء الأقدمين قالوا : إن مستقر المني في غير مستقر البول ، وكذلك مخرجاهما ، وأما نجاسة رطوبة فرج المرأة ففيها خلاف عندهم .

                                                                                                                                                                                  ومن أحكامه خدمة المرأة لزوجها في غسل ثيابه ، ونحو ذلك خصوصا إذا كان من أمر يتعلق بها وهو من حسن العشرة ، وجميل الصحبة .

                                                                                                                                                                                  ومنها نقل أحوال المقتدى به ، وإن كان يستحى من ذكرها عادة .

                                                                                                                                                                                  ومنها خروج المصلي إلى المسجد بثوبه الذي غسل منه المني قبل جفافه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية