الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          192 حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عفان حدثنا همام عن عامر بن عبد الواحد الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو محذورة اسمه سمرة بن معير وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا في الأذان وقد روي عن أبي محذورة أنه كان يفرد الإقامة [ ص: 489 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 489 ] قوله : ( نا عفان ) هو ابن مسلم ( علمه الأذان تسع عشرة كلمة ) أي مع الترجيع ، والحديث نص صريح في سنية الترجيع في الأذان .

                                                                                                          ( والإقامة ) بالنصب ، أي علمه الإقامة ( سبع عشرة كلمة ) قال ابن الملك : لأنه لا ترجيع فيها فانحذف عنها كلمتان وزيدت الإقامة شفعا ، تفصيله : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر أربع كلمات ، ثلاث منها تأكيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتان المرة الثانية تأكيد وكذا أشهد أن محمدا رسول الله مرتان ، وحي على الصلاة مرتان ، وحي على الفلاح مرتان ، وقد قامت الصلاة مرتان ، والله أكبر الله أكبر كلمتان ، ولا إله إلا الله كلمة واحدة ، وبهذا قال أبو حنيفة ، والإقامة عند مالك إحدى عشرة كلمة ؛ لأنه يقول كل كلمة واحدة إلا كلمة التكبير والإقامة ، كما رواه ابن عمر وأنس كذا ذكره الطيبي ، كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي .

                                                                                                          ( وأبو محذورة اسمه سمرة ) وقيل أوس ، وقيل سلمة ، وقيل سلمان ، قاله الحافظ ( ابن معير ) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتانية ، وقيل عمير بن لوذان ، وأبو محذورة هذا صحابي مشهور مكي مؤذن مكة مات بها سنة تسع وخمسين ، وقيل تأخر بعد ذلك أيضا .

                                                                                                          ( وقد روي عن أبي محذورة أنه كان يفرد الإقامة ) أخرجه الدارقطني وسيجيء لفظه .

                                                                                                          تنبيه : قال صاحب بذل المجهود تحت حديث أبي محذورة ما لفظه : وهذا الحديث يحتج به على سنية الترجيع في الأذان ، وبه قال الشافعي ومالك ؛ لأنه ثابت في حديث أبي محذورة ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم مشتمل على زيادة غير متنافية فيجب قبولها ، وهو أيضا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد ؛ لأن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين ، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر ويرجحه أيضا عمل أهل مكة والمدينة . انتهى ، وقال صاحب العرف [ ص: 490 ] الشذي ما لفظه : واستمر الترجيع في مكة إلى عهد الشافعي وكان السلف يشهدون موسم الحج كل سنة ولم ينكر أحد ، انتهى .

                                                                                                          قلت : والأمر كما قالا ولكنهما مع هذا الاعتراف لم يقولا بسنية الترجيع في الأذان ، فأما صاحب بذل المجهود فأجاب عن حديث أبي محذورة بأن الترجيع في أذانه لم يكن لأجل الأذان ، بل كان لأجل التعليم ، فإنه كان كافرا فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادتين برفع الصوت لترسخا في قلبه ، كما تدل عليه قصته المفصلة فظن أبو محذورة أنه ترجيع وأنه في أصل الأذان ، انتهى .

                                                                                                          قلت : هذا الجواب مردود كما عرفت آنفا ، ثم قال صاحب البذل مستدلا على عدم سنية الترجيع ما لفظه : وقد روى الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي محذورة أنه قال : ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا الله أكبر الله أكبر إلى آخره لم يذكر فيه ترجيعا ، انتهى .

                                                                                                          قلت : أجاب عن هذه الرواية في نصب الراية فقال بعد ذكر هذه الرواية : وهذا معارض للرواية المتقدمة التي عند مسلم وغيره ورواه أبو داود في سننه : حدثنا النفيلي ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل فذكره بهذا الإسناد ، وفيه ترجيع ، انتهى .

                                                                                                          ثم قال : وأيضا يدل على عدم الترجيع ما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة ، غير أن يقول قد قامت الصلاة ، انتهى .

                                                                                                          قلت : قد تقدم الجواب عن هذه الرواية فتذكر ، ثم هذه الرواية إن تدل على عدم الترجيع فتدل أيضا على عدم تثنية الإقامة فعليهم أن يقولوا بعدم تثنيتها أيضا ، وأما صاحب العرف الشذي فقال : إن رجع الحنفي في الأذان ففي البحر أنه يباح ليس بسنة ولا مكروه وعليه الاعتماد ، وقال الحق ثبوت الترجيع ، ووجه الرجحان لنا في عدم الترجيع أن بلالا استمر أمره بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تعليمه عليه السلام الأذان أبا محذورة وبعده ، انتهى . قلت : قد استمر الترجيع أيضا من حين تعليمه عليه السلام الأذان بالترجيع أبا محذورة إلى عهد الشافعي كما اعترف هو به ، فحاصل الكلام أنه ليس لإنكار سنية الترجيع في الأذان وجه إلا التقليد أو قلة الاطلاع .




                                                                                                          الخدمات العلمية