فصل
وقد ظهر مما تقدم ; فقوله عليه الصلاة والسلام : الجواب عما أوردوا من الأحاديث التي قالوا إن القرآن لم ينبه عليها إلى آخره لا يتناول ما نحن فيه ; فإن الحديث إنما جاء فيمن يطرح السنة معتمدا على رأيه في فهم القرآن وهذا لم ندعه في مسألتنا هذه ، بل هو رأي أولئك الخارجين عن الطريقة المثلى ، وقوله : يوشك رجل منكم متكئا على أريكته صحيح على الوجه المتقدم ; إما بتحقيق المناط الدائر بين الطرفين الواضحين والحكم عليه ، وإما بالطريقة القياسية ، وإما بغيرها من المآخذ المتقدمة . ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله
ومر الجواب عن تحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، وتحريم كل [ ص: 403 ] ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وعن العقل .
وأما فكاك الأسير ; فمأخوذ من قوله تعالى : وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر [ الأنفال : 72 ] وهذا فيمن لم يهاجر إذا لم يقدر على الهجرة إلا بالانتصار بغيره فعلى الغير النصر ، والأسير في هذا المعنى أولى بالنصر ، فهو مما يرجع إلى النظر القياسي .
وأما أن لا يقتل مسلم بكافر ; فقد انتزعها العلماء من الكتاب كقوله : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] وقوله : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة [ الحشر : 20 ] وهذه الآية أبعد ، ولكن الأظهر أنه لو كان حكمها موجودا في القرآن على التنصيص أو نحوه لم يجعلها علي خارجة عن القرآن ; حيث قال : ما عندنا إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة إذ لو كان في القرآن لعد الثنتين دون قتل المسلم بالكافر ، ويمكن أن يؤخذ حكم المسألة مأخذ القياس المتقدم ; لأن الله تعالى قال : الحر بالحر والعبد بالعبد [ البقرة : 178 ] [ ص: 404 ] فلم يقد من الحر للعبد ، والعبودية من آثار الكفر ; فأولى أن لا يقاد من المسلم للكافر وأما إخفار ذمة المسلم ; فهو من باب نقض العهد ، وهو في القرآن ، وأقرب الآيات إليه قوله تعالى : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار [ الرعد : 25 ] وفي الآية الأخرى : أولئك هم الخاسرون [ البقرة : 27 ] وقد مر تحريم المدينة وانتزاعه من القرآن ، وأما من تولى قوما بغير إذن مواليه ; فداخل بالمعنى في قطع ما أمر الله به أن يوصل .
وأيضا ; فإن الانتفاء من ولاء صاحب الولاء الذي هو لحمة كلحمة النسب كفر لنعمة ذلك الولاء ، كما هو في الانتساب إلى غير الأب ، وقد قال تعالى فيها : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون [ النحل : 72 ] وصدق هذا المعنى ما في الصحيح من قوله : . أيما عبد أبق من مواليه ; [ ص: 405 ] فقد كفر حتى يرجع إليهم
وفيه : إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ، وحديث معاذ ظاهر في أن ما لم يصرح به في القرآن ، ولا حصل بيانه فيه ; فهو مبين في السنة ، وإلا ; فالاجتهاد يقضي عليه ، وليس فيه معارضة لما تقدم .