[ ص: 96 ] المسألة الثالثة عشرة
كما أنه كذلك نقول : إذا ثبت في الشريعة قاعدة كلية في هذه الثلاثة أو في آحادها; فلا بد من المحافظة عليها بالنسبة إلى ما يقوم به الكلي ، وذلك الجزئيات ، فالجزئيات مقصودة معتبرة في إقامة الكلي أن لا يتخلف الكلي فتتخلف مصلحته المقصودة بالتشريع . إذا ثبت قاعدة كلية في الضروريات أوالحاجيات أو التحسينيات فلا ترفعها آحاد الجزئيات
والدليل على ذلك أمور :
منها : ورود العتب على التارك في الجملة من غير عذر ، كترك الصلاة ، أو الجماعة ، أو الجمعة ، أو الزكاة ، أو الجهاد ، أو مفارقة الجماعة لغير أمر مطلوب أو مهروب عنه ، كان العتب وعيدا أو غيره ، كالوعيد بالعذاب ، وإقامة الحدود في الواجبات ، والتجريح في غير الواجبات ، وما أشبه ذلك .
ومنها : أن عامة التكاليف من هذا الباب لأنها دائرة على القواعد الثلاث ، والأمر والنهي فيها قد جاء حتما ، وتوجه الوعيد على فعل المنهي عنه منها ، أو ترك المأمور به من غير اختصاص ولا محاشاة; إلا في مواضع الأعذار التي تسقط أحكام الوجوب أو التحريم ، وحين كان ذلك كذلك ، دل على أن الجزئيات داخلة مدخل الكليات في الطلب والمحافظة عليها .
ومنها : أن الجزئيات لو لم تكن معتبرة مقصودة في إقامة الكلي; لم يصح الأمر بالكلي من أصله ، لأن الكلي من حيث هو كلي لا يصح القصد في التكليف إليه; لأنه راجع لأمر معقول لا يحصل في الخارج إلا في ضمن الجزئيات ، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق ، [ ص: 97 ] وذلك ممنوع الوقوع كما سيأتي إن شاء الله ، فإذا كان لا يحصل إلا بحصول الجزئيات; فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات .
وأيضا فإن المقصود بالكلي هنا أن تجري أمور الخلق على ترتيب ونظام واحد لا تفاوت فيه ولا اختلاف ، وإهمال القصد في الجزيئات يرجع إلى إهمال القصد في الكلي; فإنه مع الإهمال لا يجري كليا بالقصد ، وقد فرضناه مقصودا ، هذا خلف; فلا بد من صحة القصد إلى حصول الجزئيات ، وليس البعض في ذلك أولى من البعض ، فانحتم القصد إلى الجميع ، وهو المطلوب .
[ ص: 98 ] فإن قيل : هذا يعارض القاعدة المتقدمة أن . الكليات لا يقدح فيها تخلف آحاد الجزئيات
فالجواب : أن القاعدة صحيحة ، ولا معارضة فيها لما نحن فيه ، فإن ما نحن فيه معتبر من حيث السلامة من العارض المعارض ، فلا شك في انحتام القصد إلى الجزئي ، وما تقدم معتبر من حيث ورود العارض على الكلي ، حتى إن تخلف الجزئي هنالك ، إنما هو من جهة المحافظة على الجزئي في كليه من جهة أخرى ، كما نقول : إن حفظ النفوس مشروع - وهذا كلي مقطوع بقصد الشارع إليه - ، ثم شرع القصاص حفظا للنفوس ، فقتل النفس في القصاص محافظة عليها بالقصد ، ويلزم من ذلك تخلف جزئي من جزئيات الكلي المحافظ عليه ، وهو إتلاف هذه النفس لعارض عرض وهو الجناية على النفس; فإهمال هذا الجزئي في كليه من جهة المحافظة على جزئي في كليه أيضا ، وهو النفس المجني عليها; فصار عين اعتبار الجزئي في كلي هو عين إهمال الجزئي ، لكن في المحافظة على كليه من وجهين ، وهكذا سائر ما يرد من هذا الباب .
[ ص: 99 ] فعلى هذا تخلف آحاد الجزئيات عن مقتضى الكلي إن كان لغير عارض; فلا يصح شرعا ، وإن كان لعارض ، فذلك راجع إلى المحافظة على ذلك الكلي من جهة أخرى ، أو على كلي آخر; فالأول يكون قادحا تخلفه في الكلي ، والثاني لا يكون تخلفه قادحا .