فصل
ضربان : الحيوان الذي لا يهلكه الماء
أحدهما : ما يعيش فيه ، وإذا أخرج منه كان عيشه عيش المذبوح ، بأنواعه ، فهو حلال . ولا حاجة إلى ذبحه كما سبق ، وسواء مات بسبب ظاهر ، كضغطة أو صدمة أو انحسار ماء أو ضرب من الصياد ، أو مات حتف أنفه . كالسمك
وأما ، ففيه ثلاثة أوجه . ويقال : ثلاثة أقوال . أصحها : يحل مطلقا ، وهو المنصوص في " الأم " ، وفي رواية ما ليس على صورة السموك المشهورة المزني واختلاف العراقيين ؛ لأن الأصح أن اسم السمك يقع على جميعها . والثاني : [ ص: 275 ] يحرم . والثالث : ما يؤكل نظيره في البر ، كالبقر والشاء ، فحلال ، وما لا ، ، فحرام . فعلى هذا ، ما لا نظير له حلال . كخنزير الماء في كلبه
قلت : وعلى هذا لا يحل ما أشبه الحمار ، وإن كان في البر حمار الوحش المأكول ، صرح به صاحبا " الشامل " و " التهذيب " وغيرهما . والله أعلم .
وإذا أبحنا الجميع ، فهل تشترط الذكاة ، أم تحل ميتته ؟ وجهان : ويقال : قولان ، أصحهما : تحل ميتته .
الضرب الثاني : أيضا ، فمنه طير الماء ، كالبط والأوز ونحوهما ، وهي حلال كما سبق ، ولا تحل ميتتها قطعا . وعد الشيخ ما يعيش في الماء وفي البر أبو حامد والإمام ، وصاحب " التهذيب " من هذا الضرب ، وهما محرمان على المشهور . وذوات السموم حرام قطعا . ويحرم الضفدع والسرطان على الصحيح ، والسلحفاة على الأصح . التمساح
واعلم أن جماعة استثنوا الضفدع من الحيوانات التي لا تعيش إلا في الماء ، تفريعا على الأصح ، وهو حل الجميع . وكذا استثنوا الحيات ، والعقارب . ومقتضى هذا الاستثناء أنها لا تعيش إلا في الماء . ويمكن أن يكون منها نوع كذا ، ونوع كذا . واستثنى القاضي الطبري ، النسناس على ذلك الوجه أيضا . وامتنع الروياني وغيره من مساعدته .
قلت : ساعده الشيخ أبو حامد . والله أعلم .
الأصل الرابع : في الباب ، في التحليل والتحريم ، للاستطابة والاستخباث . ورآه المستخبثات من الأصول المعتبرة رحمه الله تعالى الأصل الأعظم الأعم ، ولذلك افتتح به الباب ، والمعتمد فيه قوله تعالى : ( الشافعي يسألونك ماذا أحل لهم ، قل أحل لكم الطيبات )
[ المائدة : 4 ] .
[ ص: 276 ] وليس المراد بالطيب هنا الحلال . ثم قال الأئمة : ويبعد الرجوع في ذلك إلى طبقات الناس ، وتنزيل كل قوم على ما يستطيبونه أو يستخبثونه ؛ لأنه يوجب اختلاف الأحكام في الحلال والحرام ، وذلك يخالف موضوع الشرع ، فرأوا العرب أولى الأمم بأن يؤخذ باستطابتهم واستخباثهم لأنهم المخاطبون أولا ، وهم جيل لا تغلب عليهم العيافة الناشئة من التنعم فيضيقوا المطاعم على الناس . وإنما يرجع من العرب إلى سكان البلاد والقرى ، دون أجلاف البوادي الذين يتناولون ما دب ودرج من غير تمييز . وتعتبر عادة أهل اليسار والثروة ، دون المحتاجين ، وتعتبر حالة الخصب والرفاهية ، دون الجدب والشدة . وذكر جماعة : أن الاعتبار بعادة العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الخطاب لهم . ويشبه أن يقال : يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه ، فإن استطابته العرب ، أو سمته باسم حيوان حلال فهو حلال . وإن استخبثته ، أو سمته باسم محرم فحرام . فإن استطابته طائفة ، واستخبثته أخرى اتبعنا الأكثرين . فإن استويا ، قال صاحب " الحاوي " وأبو الحسن العبادي : تتبع قريش ؛ لأنهم قطب العرب . فإن اختلفت قريش ولا ترجيح ، أو شكوا فلم يحكموا بشيء ، أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرناه بأقرب الحيوان شبها به . والشبه تارة يكون في الصورة ، وتارة في طبع الحيوان من الصيانة والعدوان ، وتارة في طعم اللحم . فإن استوى الشبهان ، أو لم نجد ما يشبهه فوجهان : أصحهما : الحل . قال الإمام : وإليه ميل رحمه الله تعالى . الشافعي
واعلم أنه إنما يراجع العرب في حيوان لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم ، ولا أمر بقتله ، ولا نهي عنه . فإن وجد شيء من هذه الأصول ، اعتمدناه ولم نراجعهم قطعا . فمن ذلك أن الحشرات كلها مستخبثة ، ما يدرج منها وما يطير . فمنها : ذوات السموم والإبر .
ومنها : ، وهي ملساء تشبه سام [ ص: 277 ] أبرص ، وهي أحسن منه ، الواحدة عظاة ، وعظاية ، فكل هذا حرام . ويحرم الوزغ وأنواعها ، كحرباء الظهيرة والعظاء . وفي دود الخل والفاكهة وجه . وتحرم اللحكاء ، وهي دويبة تغوص في الرمل إذا رأت إنسانا . ويستثنى من الحشرات الذر والفأر والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والديدان ؛ فإنها حلال على الأصح . ويستثنى من اليربوع والضب وكذا أم حبين ، فإنه حلال قطعا ، وكذا ذوات الإبر الجراد على الأصح . القنفذ حرام على الأصح كالخنفساء . والصرارة