فصل
إذا جاز . ثم لزيد أحوال . أحرم عمرو بما أحرم به زيد
أحدها : أن يكون محرما ، ويمكن معرفة ما أحرم به ، فينعقد لعمرو مثل إحرامه ، إن كان حجا فحج ، وإن كان عمرة فعمرة ، وإن كان قرانا فقران .
قلت : وإن كان زيد أحرم بعمرة بنية التمتع كان عمرو محرما بعمرة ، ولا يلزمه التمتع . - والله أعلم - .
وإن كان مطلقا انعقد إحرام عمرو مطلقا أيضا ، ويتخير كما يتخير زيد ، ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد . وحكي وجه : أنه يلزمه ، وهو شاذ ضعيف . قال في " التهذيب " : إلا إذا أراد إحراما كإحرام زيد بعد تعيينه . وإن كان إحرام زيد فاسدا ، فهل ينعقد إحرام عمرو مطلقا ، أم لا ينعقد أصلا ؟ وجهان .
[ ص: 61 ] قلت : الأصح : انعقاده . قال القاضي أبو الطيب : وهذان الوجهان كالوجهين فيمن ، أم لا ينعقد ؟ والأصح : لا ينعقد . - والله أعلم - . نذر صلاة فاسدة ، هل ينعقد نذره بصلاة صحيحة
وإن كان زيد أحرم مطلقا ، ثم عينه قبل إحرام عمرو ، فوجهان . أصحهما : ينعقد إحرام عمرو مطلقا . والثاني : معينا ، ويجري الوجهان فيما لو أحرم زيد بعمرة ، ثم أدخل عليها الحج ، فعلى الأول : يكون عمرو معتمرا ، وعلى الثاني : قارنا ، والوجهان فيما إذا لم يخطر له التشبيه بإحرام زيد في الحال ، ولا في أوله ، فإن خطر التشبيه بأوله أو بالحال ، فالاعتبار بما خطر بلا خلاف . ولو أخبره زيد بما أحرم به ، ووقع في نفسه خلافه ، فهل يعمل بخبره ، أو بما وقع في نفسه ؟ وجهان .
قلت : أصحهما : بخبره . - والله أعلم - .
ولو قال له : أحرمت بالعمرة ، فعمل بقوله ، فبان أنه كان محرما بالحج ، فقد بان أن إحرام عمرو كان منعقدا بحج . فإن فات الوقت ، تحلل وأراق دما . وهل الدم في ماله ، أو مال زيد ، للتغرير ؟ وجهان .
قلت : أصحهما : في ماله . - والله أعلم - .
الحال الثاني : أن لا يكون زيد محرما أصلا ، فينظر إن كان عمرو جاهلا به انعقد إحرامه مطلقا ؛ لأنه جزم بالإحرام . وإن كان عالما بأنه غير محرم ، بأن علم موته ، فطريقان . المذهب الذي قطع به الجمهور : أنه ينعقد إحرام عمرو مطلقا . والثاني : على الوجهين . أصحهما : هذا . والثاني : لا ينعقد أصلا ، كما لو قال : إن كان زيد محرما ، فقد أحرمت ، فلم يكن محرما . والصواب : الأول . ويخالف قوله : إن كان زيد محرما ، فإنه تعليق لأصل الإحرام . فلهذا يقول : إن كان زيد محرما ، فهذا المعلق محرم ، وإلا فلا .
[ ص: 62 ] وأما هنا فأصل الإحرام محزوم به . واحتجوا للمذهب بصورتين نص عليهما في " الأم " .
أحدهما : لو ، لم ينعقد عن واحد منهما ، وانعقد عن الأجير ؛ لأن الجمع بينهما متعذر ، فلغت الإضافة ، وسواء كانت الإجارة في الذمة ، أم على العين ؛ لأنه وإن كانت إحدى إجارتي العين فاسدة إلا أن الإحرام عن غيره لا يتوقف على صحة الإجارة . استأجره رجلان ليحج عنهما ، فأحرم عنهما
الصورة الثانية : لو لغت الإضافتان ، وبقي الإحرام للأجير . فلما لغت الإضافة في الصورتين ، وبقي أصل الإحرام ، جاز أن يلغو هنا التشبيه ، ويبقى أصل الإحرام . استأجره رجل ليحج عنه ، فأحرم عن نفسه وعن المستأجر
الحال الثالث : أن يكون زيد محرما وتتعذر مراجعته ، لجنون ، أو غيبة ، أو موت . ولهذه المسألة مقدمة ، وهي لو ، قال في القديم : أحب أن يقرن . وإن تحرى ، رجوت أن يجزئه . وقال في الجديد : هو قارن . وللأصحاب فيه طريقان . أحدهما : القطع بجواز التحري . وتأويل الجديد على ما إذا شك ، هل أحرم بأحد النسكين ، أم قرن ؟ وأصحهما وبه قطع الجمهور : أن المسألة على قولين . القديم : جواز التحري ، ويعمل بظنه . والجديد : لا يتحرى . فإن قلنا بالقديم فتحرى ، مضى فيما ظنه من النسكين ، وأجزأه على الصحيح . وقيل : لا يجزئه الشك . وفائدة التحري : الخلاص من الإحرام ، وهذا شاذ ضعيف . وإن قلنا بالجديد ، فللشك صورتان . أحرم بأحد النسكين ، ثم نسيه
إحداهما : أن يعرض قبل الإتيان بشيء من الأعمال ، فلفظ النص : أنه قارن . وقال الأصحاب : معناه : أن ينوي القران ، ويجعل نفسه قارنا . وحكي قول أنه يصير قارنا بلا نية ، وهو شاذ ضعيف . ثم إذا نوى القران وأتى بالأعمال ، [ ص: 63 ] تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين ، وأجزأه عن حجة الإسلام ؛ لأنه إن كان محرما بالحج ، لم يضر تجديد العمرة بعده ، سواء قلنا : يصح إدخالها عليه ، أم لا . وإن كان محرما بالعمرة ، فإدخال الحج عليها قبل الشروع في أعمالها ، جائز . وأما العمرة ، فإن جوزنا إدخالها على الحج ، أجزأته عن عمرة الإسلام ، وإلا فوجهان . أصحهما : لا تجزئه ، لاحتمال تأخر العمرة . والثاني : تجزئه ، قاله أبو إسحاق .
ويكون الاشتباه عذرا في جواز تأخيرها . فإن قلنا : تجزئ ، لزمه دم القران ، فإن لم يجد ، صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجع . وإن قلنا : لا تجزئه العمرة ، لم يجب الدم على الأصح . وقولنا : يجعل نفسه قارنا ، ليس على سبيل الإلزام .
قال الإمام : لم يذكر - رحمة الله عليه - القران على معنى أنه لا بد منه ، بل ذكره على أنه ليستفيد منه الشاك التحلل مع براءة الذمة من النسكين . فلو اقتصر بعد النسيان على الإحرام بالحج ، وأتى بأعماله حصل التحلل قطعا ، وتبرأ ذمته عن الحج ، ولا تبرأ عن العمرة ، لاحتمال أنه أحرم ابتداء بالحج . وعلى هذا القياس : لو الشافعي ، حصل التحلل ، وبرئت ذمته من العمرة إن جوزنا إدخالها على الحج ، ولا تبرأ عن الحج ، لاحتمال أنه أحرم ابتداء ولم يغيرها . ولو لم يجدد إحراما بعد النسيان ، واقتصر على الإتيان بعمل الحج ، حصل التحلل ، ولا تبرأ ذمته عن واحد من النسكين ، لشكه فيما أتى به . ولو اقتصر على عمل العمرة ، لم يحصل التحلل ؛ لاحتمال أنه أحرم بالحج ولم يتم أعماله . اقتصر على الإحرام بالعمرة ، وأتى بأعمال القران
الصورة الثانية : [ أن ] يعرض الشك بعد الإتيان بشيء من الأعمال ، وله أحوال .
أحدها : أن يعرض بعد الوقوف بعرفة ، وقبل الطواف ، فإذا نوى القران ، فيجزئه الحج ؛ لأنه إن كان محرما به ، فذاك . وإن كان بالعمرة ، فقد أدخله عليها قبل الطواف [ ص: 64 ] ، وذلك جائز . ولا تجزئه العمرة إذا قلنا بالمذهب : إنه لا يجوز إدخالها على الحج بعد الوقوف وقبل الشروع في التحلل . وهذا الحال مفروض فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا عند مصيره قارنا ثم وقف ثانيا ، وإلا فيحتمل أنه كان محرما بالعمرة ، فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج .
الحال الثاني : أن يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف ، فإذا نوى القران ، وأتى بأفعال القارن لم يجزئه الحج ؛ لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة ، فيمتنع إدخال الحج عليها بعد الطواف .
وأما العمرة ، فإن قلنا بجواز إدخالها على الحج بعد الطواف ، أجزأته وإلا فلا وهو المذهب . وذكر ابن الحداد في هذه الحال أنه يتم أعمال العمرة ، بأن يصلي ركعتي الطواف ، ويسعى ، ويحلق أو يقصر ، ثم يحرم بالحج ، ويأتي بأعماله . فإذا فعل هذا صح حجه ؛ لأنه إن كان محرما بالحج ، لم يضر تجديد إحرامه . وإن كان بالعمرة ، فقد تمتع ، ولا تصح عمرته لاحتمال أنه كان محرما بالحج ، ولا تدخل العمرة عليه إذا لم ينو القران . قال الشيخ أبو زيد ، وصاحب " التقريب " والأكثرون : إن فعل هذا ، فالجواب ما ذكره . لكن لو استفتانا ، لم نفته به ؛ لاحتمال أنه كان محرما بالحج وإن كان هذا الحلق يقع في غير أوانه . وهذا كما لو ، لا يفتى صاحب الجوهرة بذبحها وأخذ الجوهرة . فلو ذبح لم يلزمه إلا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة ، وكذا لو تقابلت دابتان لشخصين على شاهق ، وتعذر مرورهما ، لا يفتى أحدهما بإهلاك دابة الآخر ، لكن لو فعل خلص دابته ، ولزمه قيمة دابة صاحبه ، واختار ابتلعت دجاجة إنسان جوهرة لغيره قول الغزالي ابن الحداد . ووجهه الشيخ أبو علي : بأن الحلق في غير وقته يباح بالعذر ، كمن به أذى من رأسه ، فضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر فإنه يفوت الحج ، وسواء أفتيناه بما قاله [ ص: 65 ] ابن الحداد ، أم لم نفته ، ففعل لزمه دم ؛ لأنه إن كان محرما بحج ، فقد حلق في غير وقته ، وإن كان بعمرة ، فقد تمتع ، فيريق دما عن الواجب عليه ، ولا يعين الجهة كما في الكفارة . فإن كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة أيام كصوم المتمتع . فإن كان الواجب دم المتمتع ، فذاك وإن كان دم الحلق أجزأه ثلاثة أيام ، الباقي تطوع . ولا يعين الجهة في صوم الثلاثة ، ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة . ولو اقتصر على صوم ثلاثة ، هل تبرأ ذمته ؟ مقتضى كلام الشيخ أبي علي : أنه لا تبرأ .
قال الإمام : ويحتمل أن تبرأ ، وعبر في " الوسيط " عن هذين بوجهين . ويجزئه الصوم مع وجود الطعام ؛ لأنه لا مدخل للطعام في التمتع . وفدية الحلق على التخيير . ولو أطعم ، هل تبرأ ذمته ؟ فيه كلاما الشيخ والإمام . هذا كله إذا استجمع الرجل شروط وجوب دم التمتع ، فإن لم يستجمعها ، كالمكي ، لم يجب الدم ؛ لأن دم التمتع مفقود ، والأصل عدم الحلق . وإذا جوز أن يكون إحرامه أولا بالقران ، فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه ؟ فيه الوجهان السابقان . الغزالي
الحال الثالث : أن يعرض الشك بعد الطواف والوقوف . فإن أتى ببقية أعمال الحج ، لم يحصل له حج ولا عمرة . أما الحج ، فلجواز أنه كان محرما بعمرة ، فلا ينفعه الوقوف . وأما العمرة ، فلجواز أنه كان محرما بحج ، ولم يدخل عليه العمرة . فإن نوى القران ، ولبى ، وأتى بأعمال القران ، فإجزاء العمرة يبنى على أنها هل تدخل على الحج بعد الوقوف ؟ ثم قياس المذكور في الحال السابق . ثم لو أتم أعمال العمرة ، وأحرم بالحج ، وأتى بأعماله مع الوقوف ، أجزأه الحج ، وعليه دم كما سبق . ولو أتم أعمال الحج ، ثم أحرم بعمرة ، وأتى بأعمالها ، أجزأته العمرة .