الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والعين إلى عشر سنين أولها كذا وآخرها كذا يؤدي في انقضاء كل سنة منها كذا فجائز " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والذي يعتبر في صحة الكتابة ، شرطان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون العوض معلوما .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون الأجل معلوما .

                                                                                                                                            فأما العلم بالعوض فمن ثلاثة أوجه قدمناها :

                                                                                                                                            أحدها : معرفة الجنس .

                                                                                                                                            والثاني : معرفة الصفة .

                                                                                                                                            والثالث : معرفة القدر .

                                                                                                                                            فإن جهلا أو أحدهما أحد الثلاثة من جنس ، أو صفة ، أو قدر بطلت الكتابة .

                                                                                                                                            وأما العلم بالأجل فيكون من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : تقدير زمانه بالسنين ، أو بالشهور الهلالية . فيقول : قد كاتبتك على مائة دينار في عشر سنين ، فإن ذكر أولها وآخرها كان أوكد ، وإن ذكر أولها ولم يذكر آخرها جاز لأنه يصير معلوما بذكر الأول . فإن ذكر آخرها ، ولم يذكر أولها جاز ، لأنه يصير معلوما بذكر الآخر بعد أن لا يزيد ذكر آخر المدة على العشر ولا ينقص منها ، وإن لم يذكر أولها ولا آخرها فالصحيح من مذهب الشافعي وإن كان دليل كلامه هاهنا لا يقتضيه أن تكون الكتابة جائزة ، لأن أول الآجال المستحقة في العقود من وقت عقدها فصار وقت العقد أولها ، وهو معلوم ويصير آخرها بمعرفة الأول معلوما .

                                                                                                                                            وإنما نص الشافعي رضي الله عنه على ذكر أولها وآخرها تأكيدا .

                                                                                                                                            والثاني من الأوجه الثلاثة : العلم بوقف استحقاقها في كل نجم لبعد ما بين طرفيه . فإذا كانت النجوم عشر سنين ، وجعل محل كل نجم في آخر كل سنة صح ، وإن جعله في أولها لم يصح ، لا للجهل بوقت المحل ولكن لأنه يصير الأول منهما حالا ، والكتابة على حال لا تصح ، وإن كان معها مؤجل وإن جعله في وسطها ففيه وجهان : أحدهما : لا يصح ، لأن وسط السنة ما بين طرفيها فصار مجهولا .

                                                                                                                                            [ ص: 152 ] والثاني : يصح ويكون المحل في نصف كل سنة ، لأن الوسط على التحقيق موضوع لاستواء الطرفين ، فلو كاتبه على نجمين في سنتين ليكون محل الأول منهما في أول السنة الأولى ومحل الثاني آخر السنة الثانية لم يجز لما ذكرنا من حلول الأول . ولو جعل المنجم الأول في آخر السنة الأولى ، والثاني في أول السنة الثانية ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يصح ، لأنه بالاتصال قد صار نجما واحدا .

                                                                                                                                            والثاني : يصح لاستحقاق كل واحد منهما في غير زمان الآخر لأن الأول يستحق في آخر أجزاء السنة الأولى ، والثاني مستحق في أول أجزاء السنة الثانية ، فصارا مختلفين وإن اتصلا .

                                                                                                                                            والثالث : من الأوجه الثلاثة : أن يكون ما يستحق من مال الكتابة في كل نجم معلوما ، سواء تساوى مال النجوم ، أو اختلف ، وتساويه أن يقول : قد كاتبتك على مائة دينار وتؤديها في عشر سنين في آخر كل سنة ، منها عشرة دنانير .

                                                                                                                                            واختلافه ، أن يقول : على أن تؤدي في آخر السنة الأولى خمسة دنانير وفي آخر الثانية عشرة دنانير ، وفي آخر الثالثة خمسة عشر ، ثم يذكر مثل ذلك في السنين العشر ، فيصح في الحالين مع التساوي والتفاضل . فإن أطلق ولم يذكر قدر ما يستحقه في كل نجم ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الكتابة باطلة للجهل بقدر الاستحقاق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الكتابة جائزة ، ويكون المال مقسوما على أعداد النجوم ، لأن الإطلاق يوجب التسوية ، فإن كانت النجوم خمسة استحق كل نجم خمس المال ، وإن كانت عشرا استحق كل نجم عشر المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية