[ ص: 345 ] باب في نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة ومسلك الجزية
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " اختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب ، فروي عنه أنه صالحهم على أن يضعف عليهم الجزية ولا يكرهوا على غير دينهم ، وهكذا حفظ أهل المغازي قالوا : رامهم عمر على الجزية فقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض ، يعنون الصدقة فقال : عمر - رضي الله عنه - لا ، هذا فرض على المسلمين ، فقالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية : فراضاهم على أن يضعف عليهم الصدقة ، ( قال : ) فإذا ضعفها عليهم فانظر إلى مواشيهم وذهبهم وورقهم وأطعمتهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها وكل أمر أخذ فيه من مسلم خمس فخذ خمسين أو عشر فخذ عشرين أو نصف عشر فخذ عشرا أو ربع عشر فخذ نصف عشر ، وكذلك ماشيتهم خذ الضعف منها " .
قال الماوردي : أما دين العرب ، فلم يكونوا أهل كتاب ، وكانوا عبدة أوثان ، فجاورت طائفة منهم اليهود ، فتهودوا وجاورت طائفة منهم النصارى ، فتنصروا ، فكان في قحطان بالشام تنوخ وبهراء وبنو تغلب مجاورين للنصارى ، فتنصروا ، وأشكلت حالهم عند فتح الشام على عمر - رضي الله عنه - هل دخلوا في النصرانية قبل التبديل فيقرون أو بعد التبديل مع المبدلين ، فلا يقرون ، فغلب فيهم حكم الحظر في حقن دمائهم ، وتحريم مناكحهم وذبائحهم ، فأقرهم على هذا ، وشرط عليهم ألا ينصروا أولادهم ، ثم طالبهم بالجزية حين أقرهم على النصرانية ، فأبوا أنفة من ذل الجزية ، وقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقة ، فقال عمر : لا آخذ من مشرك صدقة فرضها الله على المسلمين طهرة : فنفر بعضهم ولحق بالروم ، وكاد الباقون أن يلحقوا بهم ، فقال عبادة بن النعمان التغلبي : يا أمير المؤمنين إن للقوم بأسا وشدة ، فلا تعز عدوك بهم ، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة ، فأعاد من رحل إلى من أقام ، وقالوا : زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة وجعلوها جزية باسم الصدقة ، [ ص: 346 ] تؤخذ من أموالهم الظاهرة والباطنة كما تجب الصدقة على المسلمين في الأموال الظاهرة والباطنة من المواشي والزروع ، والثمار ، والذهب ، والفضة ، وعروض التجارة إذا بلغت نصابا ، ولا شيء عليهم دون النصاب ، ولا في الدور والعقار ، ولا في الخيل ، والبغال ، والحمير ، فيؤخذ منهم عن كل خمس من الإبل شاتان ، وعن كل ثلاثين بقرة تبيعان ، وعلى كل أربعين شاة شاتان ، وعما سقته السماء من الزروع والثمار التي يجب فيها العشر الخمس ، وعما سقي بنضح أو غرب يجب فيه نصف العشر العشر ، وعما وجب فيه ربع العشر من الفضة والذهب نصف العشر ، فيؤخذ من عشرين مثقالا من الذهب مثقال ، ومن مائتي درهم من الورق عشرة دراهم ، وعما وجب فيه الخمس من الركاز والمعادن الخمسين ، فكان عقد صلحهم مع عمر مستقرا على هذا ، وحملهم عليه بعد عمر عثمان رضي الله عنهما وعلي - عليه السلام - ولم يمنعوهم أن ينصروا أولادهم ، فدل على أن اشتراط ذلك عليهم كان إرهابا ولم يكن إلزاما .