الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن دخلوا بأمان وشرط عليهم أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر أخذ " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملته أنه يجب على الإمام أن يشترط في متاجر أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام لمنافعهم ، وكان انقطاعها عن المسلمين غير ضار بهم حتى يأخذه الإمام منهم من عشر أو أقل أو أكثر بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه يكون عبئا مصروفا في أهل الفيء : لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صالح أهل الحرب في حمل متاجرهم إلى بلاد الإسلام على العشر ، وصالح أهل الذمة في حملها إلى المدينة على نصف العشر ليكون ذلك ضعف ما يؤخذ في زكاة المسلم من ربع العشر : ولأن [ ص: 341 ] الإمام مندوب إلى توفير ما يصل إلى المسلمين من أموال المشركين إما بغنيمة إن قهروا ، وإما بجزية وخراج إن صولحوا ، فكذلك عشر أموالهم إذا اتجروا ، وإن كان ذلك من الشروط الواجبة عليهم كان العرف الذي عمل به الأئمة العشر ، وليس بحد لا يجوز مجاوزته إلى زيادة أو نقصان : لأنه موقوف على ما يؤدي إليه الاجتهاد المعتبر من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : في كثرة الحاجة إليه وقلتها ، فإن كثرت الحاجة إليه كالأقوات كان المأخوذ منه أقل ، وإن قلت الحاجة إليه كالطرف والدقيق كان المأخوذ منه أكثر ، فإن عمر - رضي الله عنه - أخذ من القطنية العشر ، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر .

                                                                                                                                            والثاني : الرخص والغلاء ، فإن كان انقطاعها يحدث الغلاء كان المأخوذ أقل ، وإن كان لا يحدث الغلاء كان المأخوذ أكثر ، وإذا كان الاجتهاد فيه معتبرا من هذين الوجهين عمل الإمام في تقريره على ما يؤديه اجتهاده إليه ، فإن رأى من المصلحة اشتراط العشر في جميعها فعل ، وإن رأى اشتراط نصف العشر فعل ، وإن رأى اشتراط الخمس فعل ، وإن رأى أن ينوعها بحسب الحاجة إليها ، فيشرط في نوع منها الخمس ، وفي نوع العشر ، وفي نوع نصف العشر فعل ، وصار ما انعقد شرطه عليه حقا واجبا في متاجرهم ما أقاموا على صلحهم ، كالجزية لا يجوز لغيره من الأئمة أن ينقضه إلى زيادة أو نقصان ، فإن نقضوا شرطهم بطل حكم الشرط بنقضهم ، وجاز استئناف وصلح معهم يبتدئه بما يراه من زيادة على الأول أو نقصان منه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية