الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر من يصح منه الأمان ، فالحكم فيه يشتمل على خمسة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : ما ينعقد به الأمان وهو ضربان : لفظ وإشارة .

                                                                                                                                            فأما اللفظ : فينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان صريحا ، وذلك مثل قوله : أنت آمن ، أو في أمان ، أو قد أمنتك ، أو يقول : أنت مجار ، أو قد أجرتك ، أو يقول : لا بأس عليك ، فهذا وما شاكله صريح في عقد الأمان لا يرجع فيه إلى نية ، ولو قال : لا خوف عليك كان صريحا ، ولو قال : لا تخف لم يكن صريحا : لأن قوله : لا خوف عليك نفي للخوف فكان صريحا ، وقوله : لا تخف نهي عن الخوف فلم يكن صريحا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما كان كناية يرجع فيه إلى الإرادة ، فمثل قوله : أنت على ما تحب ، أو كن كيف شئت ، لاحتمال أن يكون على ما أحبه من الكفر ، أو على ما تحبه من الأمان ، فلذلك صار كناية إلى ما شاكل ذلك من الألفاظ المحتملة .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما لم يكن صريحا ولا كناية ، وذلك مثل قوله : ستذوق وبال [ ص: 198 ] أمرك ، وسترى عاقبة كفرك ، أو سينتقم الله منك ، فهذا وما شاكله وعيد وتهديد لا ينعقد به الأمان .

                                                                                                                                            وأما الإشارة فضربان : مفهومة ، وغير مفهومة .

                                                                                                                                            فإن كانت غير مفهومة لم يصح بها الأمان لا صريحا ولا كناية ، وإن كانت مفهومة انعقد بها الأمان إن أراد المشير ، ولا ينعقد بها إن لم يرده ، لكن يجب أن يرد بها إلى مأمنه ، ويكون كناية يرجع إلى قوله فيما أراد .

                                                                                                                                            فإن قيل : لو أشار بالعتق والبطلان ارتفعا مع الإرادة ، فكيف صح بهما عقد الأمان مع الإرادة ؟ قيل : لأن الأمان ينتقض بالقول والإشارة ، فصح عقده بالقول والإشارة ، وبذلك خالف ما عداه من العتق والبطلان ، ولا يتم الأمان بعد بذله إلا أن يكون من المبذول له ما يدل على قبوله ، وذلك بأحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يبتدئ بالطلب والاستجارة فيبذله له بعد طلبه .

                                                                                                                                            وإما أن يعقب البذل المبتدأ بالقبول أو بالدعاء والشكر أو بالإشارة الدالة عليه فيتم ، ويقوم ذلك مقام القبول الصريح : لأن حقوق الأمان مشتركة فلم تلزم إلا باجتماعهما عليه ، ولأنه عقد : فروعي فيه أحكام البذل والقبول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية