الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار وبالأخوف فإن كان [ ص: 138 ] الأبعد الأخوف ، فلا بأس أن يبدأ به على معنى الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن على الإمام في جهاد المشركين حقين :

                                                                                                                                            أحدهما : تحصين بلاد الإسلام منهم .

                                                                                                                                            والثاني : قتالهم في ديارهم .

                                                                                                                                            فيبدأ الإمام قبل قتالهم بتحصين بلاد الإسلام منهم : ليأمنوا فيها على نفوسهم وذراريهم ، وأموالهم .

                                                                                                                                            وتحصينها يكون بأربعة أمور :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشحن ثغورها من المقاتلة بمن يقوم بقتال من يليها .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقوم بمواردهم بحسب أحوالهم في الانقطاع إلى القتال أو الجمع بينه وبين التكسب .

                                                                                                                                            والثالث : أن يبني حصونهم حتى يمتنعوا إليها من العدو إن طرقهم أو طلب كرتهم : لتكون لهم ولذراريهم ملجأ يستدفعون به عدوهم .

                                                                                                                                            والرابع : أن يقلد عليهم أميرا يحميهم في المقام ، ويدربهم في الجهاد ، ولا يجعلهم فوضى فيختلفوا ويضعفوا ، وتقليد هذا الأمر يصح إذا تكاملت فيه أربعة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون مسلما : لأنه يقاتل على دين إن لم يعتقده لم يؤمن عليه مع قول الله تعالى : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [ المائدة : 51 ] .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون مأمونا على من يليه من الجيش أن يخونهم وعلى من يقاتله من العدو أن يعينهم : لأنه مستحفظ عليهم ، فاعتبرت فيه الأمانة كولي اليتيم .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون شجاعا في الحرب يثبت عند الهرب ، ويقدم عند الطلب : لأنه معد لهما فوجب " أن يعتبر فيه آلتهما .

                                                                                                                                            والرابع : أن يكون ذا رأي في السياسة والتدبير ، يسوس الجيش على اتفاق الكلمة في الطاعة ، ويدير الحرب في انتهاز الفرصة ، وأمن الغرة : لأنه مندوب لهما ، فاعتبر فيه موجبهما .

                                                                                                                                            فإذا تكاملت فيه هذه الشروط الأربعة كانت ولايته على ضربين :

                                                                                                                                            ولاية تنفيذ ، وولاية تفويض .

                                                                                                                                            فأما ولاية التنفيذ فهي ما كانت موقوفة على رأي الإمام في تنفيذ أوامره ، فتصح ولايته بتكامل الشروط الأربعة ، وإن كان عبدا من غير أهل الاجتهاد .

                                                                                                                                            [ ص: 139 ] وأما ولاية التفويض فهي ما فوضت إلى رأي الأمير ليعمل فيها باجتهاده ، فيعتبر في انعقادها مع تكامل الشروط الأربعة شرطان آخران :

                                                                                                                                            أحدهما : الحرية : لأن التفويض ولاية لا تصح مع الرق .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون من أهل الاجتهاد في أحكام الجهاد : لأنه موكول إلى رأيه ، فاعتبر فيه علمه به ، وهل يعتبر فيه أن يكون من أهل الاجتهاد في غيره من أحكام الدين أم لا ؟

                                                                                                                                            على وجهين بناء على اختلاف أصحابنا في هذا الأمر هل يجوز له أن ينظر في أحكام جيشه إذ كان مطلق الولاية . فمنهم من قال : يجوز له النظر في أحكامهم ، فعلى هذا يلزم أن يكون من أهل الاجتهاد في جميع الأحكام ، ومنهم من قال : لا يجوز له النظر في أحكامهم ويكون القاضي أحق بالنظر فيها منه ، فعلى هذا لا يلزم أن يكون من أهل الاجتهاد في غير الجهاد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية