الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ومن لم يقتل ولم يأخذ المال لم يجب عليه حد ، وعزر لخروجه في الحرابة ، كما يعزر المتعرض للزنا بالقبلة والملامسة ، والمتعرض للسرقة بفتح الباب وهتك الحرز ، وهل يتعين جنس تعزيره أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يتعين ، ويعزر الإمام بما يراه من ضرب أو حبس أو نفي ، كسائر ما يقتضي التعزير . وعلى هذا لو رأى الإمام ترك تعزيره والعفو عنه جاز . والوجه الثاني : أن تعزيره متعين بالحبس : لأنه أكف له عن أذية الناس ، اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه . وعلى هذا لو رأى الإمام ترك تعزيره لم يجز ، إلا أن تظهر توبته . واختلف من قال بهذا من أصحابنا ، هل يحبس في بلده أو غير بلده ؟ على وجهين : أحدهما : يحبس في بلده : لأن الحبس مانع ، وهذا مذهب أبي حنيفة . والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج يحبس في غير بلده : لأن النفي في الحرابة منصوص عليه ، وهو زيادة في حد الزنا : لما فيه من ذل الغربة بالبعد عن أهله [ ص: 360 ] والوطن . ويشبه أن يكون مذهب مالك . واختلف من قال بالحبس في تقديره على وجهين : أحدهما : أنه غير مقدر بمدة ، ويعتبر فيه الإنابة وظهور التوبة . والوجه الثاني : أنه مقدر : لأنه قد أقيم في الحرابة مقام الحد ، واختلف القائلون بذلك في مقداره على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي عبد الله الزبيري أنه مقدر بستة أشهر لا ينقص منها ولا يزاد عليها : لئلا يزيد على تغريب الزنا في حد العبد . والوجه الثاني : وهو الظاهر من قول أبي العباس بن سريج أنه مقدر بسنة ينقص فيها ولا يزاد عليها : لئلا يزيد على تغريب الحد في حد الزنا ، وينقص منه ولو بيوم : لئلا يبلغ بما ليس بحد حدا ، كما لا يبلغ بالضرب في التعزير أدنى الحدود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية