الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن هذه الآية مختصة بالمحاربين من قطاع الطريق ، ومخيفي السبل الذين يعترضون السابلة ، مجاهرة ومحاربة ، فيأخذون أموالهم ويقتلون نفوسهم ، فقد حكم الله تعالى فيهم بأربعة أحكام ، ذكرها في الآية فقال : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض [ المائدة : 33 ] فاختلف الفقهاء في هذه الأحكام الأربعة التي جعلها الله تعالى عقوبة لهم ، هل وجبت على طريق التخيير في أن يفعل الإمام منها ما رآه صلاحا ، أو وجبت على طريق الترتيب ، فتكون كل عقوبة منها في مقابلة ذنب لا يتعداه إلى غيره ؟ اختلف فيه أهل العلم على قولين : أحدهما : قاله سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعطاء ، والنخعي ، ومالك وداود في أهل الظاهر : أنها وجبت على طريق التخيير في أن يفعل الإمام منها ما شاء : لقوله : أن يقتلوا أو يصلبوا [ المائدة : 33 ] و " أو " تدخل في الكلام للتخيير في الأوامر ، والشك في الأخبار ، وهذا أمر فكانت للتخيير ، كهي في كفارة اليمين . والثاني : قاله الشافعي وأبو حنيفة : أنها وجبت على طريق الترتيب : لثلاثة أمور : أحدها : أن اختلاف العقوبات توجب اختلاف أسبابها . والثاني : أن التخيير مفض إلى أن يعاقب من قل جرمه بأغلظ العقوبات ، ومن كثر جرمه بأخف العقوبات ، والترتيب يمنع من هذا التناقض : لأنه يعاقب في أقل الجرم بأخف العقوبات ، وفي كثرة الجرم بأغلظها ، فكان أولى . [ ص: 354 ] والثالث : أنه لما بدئ فيها بالأغلظ ، وجب أن يكون على ترتيب ، مثل كفارة القتل والظهار . ولو كانت على التخيير لبدئ فيها بالأخف من كفارة اليمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية