الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فأما إذا سرق أستار الكعبة وهي مخيطة عليها محفوظة بها قطع بها ، نقله الحارث بن سريج النقال عن الشافعي في القديم وليس له في الجديد ما يخالفه وكذلك آلة المساجد المحرزة فيها إما بأبوابها أو بقوامها أو بكثرة الغاشية والمصلين فيها ، يقطع فيها إذا كانت معدة للزينة كالستور والقبل ، أو للأحراز كالصناديق والأبواب ، فأما إن كانت معدة لانتفاع المصلين بها كالحصر والبواري والقناديل ففي قطع سارقها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول البغداديين : أنه لا يقطع لاشتراك الكافة فيها ، فأشبه مال بيت المال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول البصريين : أنه يقطع كأستار الكعبة وما أعد للزينة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يقطع في شيء من ذلك كله ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لاشتراك الكافة فيها كأموال بيت المال .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يتعين فيه خصم مطالب .

                                                                                                                                            ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة ما رواه الحسن البصري أن أول من صلب في الإسلام رجل من بني عامر بن لؤي سرق كسوة الكعبة ، فصلبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحتمل أن يكون قد صلبه : لأنه جعله ممن سعى في الأرض فسادا .

                                                                                                                                            وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع سارقا سرق من أستار الكعبة ، وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا سرق قطيفة من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يعرف لهما مخالف ، فكان إجماعا .

                                                                                                                                            ولأنه مال يضمن باليد ، ويغرم بالإتلاف ، فجاز أن يجب فيه القطع كسائر الأموال ، ولأن القطع حق لله تعالى ، فإذا وجب في حقوق الآدميين فأولى أن يجب في حقوق الله تعالى : لأن تحريمها أغلظ وتملكها محرم .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بمال بيت المال : فقد تقدم الجواب عنه . وأما استدلالهم بالخصم فيه : فهو حق لكافة المسلمين والإمام ينوب عنهم فيه .

                                                                                                                                            [ ص: 307 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية