الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وتسمع شهادتهم على قديم الزنا وحديثه ، ويحد المشهود عليه بشهادتهم .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا تقبل شهادتهم على قديم الزنا ، ولا يحد .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف : جهدت بأبي حنيفة أن يوقت للمتقدم وقتا فأبى .

                                                                                                                                            وقال الحسن بن زياد : وقته أبو حنيفة بسنة ، فإن شهد قبلها قبل ، وإن شهد بعدها لم يقبل ، احتجاجا برواية الحسن البصري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ ص: 230 ] أنه قال : أيما شهود شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته ، فإنما هم شهود ضغن لا تقبل شهادتهم . ولأن شهود الزنا مخيرون بين إقامتها وتركها ، فإن أخرها صار تاركا لها ، والعائد في الشهادة بعد تركها متهم ، وشهادة المتهم مردودة ، ولأن الشهادة معتبرة بالإجماع على قول وعدد كالعقود ، فلما بطلت العقود بتأخير القول وافتراق العدد ، وجب أن تكون الشهادة بمثابتها في إبطالها بتأخير القول وافتراق العدد .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول الله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] ، فاقتضى أن يكون محمولا على عموم الأحوال في الفور والتراخي ، ولأن كل شهادة قبلت على الفور قبلت على التراخي كالشهادة على سائر الحقوق : ولأنه أحد نوعي ما ثبت به الزنا ، فوجب أن لا يبطل بالتراخي كالإقرار . وأما حديث عمر فهو مرسل : لأن عمر لم يلقه وخالفه ، وقد خالف عمر هذا القول في قصة المغيرة ، فإنه نقل الشهود فيها من البصرة إلى المدينة ، وسمعها بعد تطاول المدة وعلى أن قوله : " لم يشهدوا " محمول على أنهم لم يشهدوا الفعل ، فلا تقبل منهم شهادتهم .

                                                                                                                                            وأما الاستدلال بالتهمة ، فالجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن التهمة في المبادرة أقوى منها في التأخير .

                                                                                                                                            روى عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا تثبت أصبت أو كدت تصيب ، وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ .

                                                                                                                                            والثاني : أن التهمة بالعداوة لا توجب عنده رد الشهادة ، وإن ردت عندنا ، ولو صار متهوما بالتأخير لردت به في غير الزنا .

                                                                                                                                            وأما اعتبارهم بالعقود ، فباطل بسائر الشهادات ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية