الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال أحدهما : قتله غدوة . وقال الآخر : عشية . أو قال أحدهما : بسيف . والآخر : بعصا . فكل واحد منهما مكذب لصاحبه ، ومثل هذا يوجب القسامة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا تعارض الشاهدان فأثبت كل واحد منهما ما نفاه الآخر ، فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون شهادتهما على فعل القتل .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون على الإقرار بالقتل ، فإن كانت على فعل القتل ، فقال أحدهما : قتله غدوة ، أو في يوم السبت . وقال الآخر : قتله عشية ، أو في يوم الأحد . أو قال أحدهما : قتله بسيف . وقال الآخر : بعصا . أو قال أحدهما : قتله بالبصرة . وقال الآخر : بالكوفة . فهما وإن اتفقا على الشهادة بالقتل ، فقد تعارضا في صفته ، فصارا متكاذبين : لأن قتله غدوة غير قتله عشية ، وقتله بسيف غير قتله بعصا ، فلا يحكم بشهادتهما ولا بشهادة واحد منهما مع يمين المدعي في عمد ولا خطأ .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى : أعزر الشاهدين وأحكم بفسقهما : لاجتماعهما على كذب مستحيل .

                                                                                                                                            وعند الشافعي وأبي حنيفة : لا تعزير عليهما ولا تفسيق : لأحد أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لجواز الاشتباه عليهما ، فيخرجان بالشبهة عن الفسق والكذب .

                                                                                                                                            [ ص: 79 ] والثاني : أن كذب أحدهما لا يمنع صدق الآخر ، وقد اشتبه الصادق من الكاذب ، فإذا ثبت أن شهادتهما مردودة ، فقد نقل المزني ها هنا : " ومثل هذا يوجب القسامة " . ونقل الربيع في كتاب الأم : ومثل هذا لا يوجب القسامة . فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النقلين على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أن الصحيح ما نقله المزني ها هنا ، أنه يوجب القسامة ، ويكون الربيع ساهيا في زيادة " لا " : لأنهما قد اتفقا على الشهادة بالقتل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي الطيب بن سلمة : أن الصحيح ما نقله الربيع أنه لا يوجب القسامة ، ويكون المزني ساهيا في حذف " لا " : لأن تكاذبهما يسقط شهادتهما .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن كلا النقلين صحيح ، وأنه على قولين مثل تكاذب الوليين :

                                                                                                                                            أحدهما : يوجب القسامة .

                                                                                                                                            والثاني : لا يوجبها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية