الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وفيه دلالة أن النفقة ليست على الميراث ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها النفقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح وأحق الناس بتحمل نفقة الولد أبواه إذا استكملت [ ص: 479 ] فيهما شروط الالتزام ، فإن أعسر الأب بها أو مات فقد اختلف الفقهاء فيمن تجب عليه بعد الأب على أربعة مذاهب .

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي أنها تجب على الجد أبي الأب ثم آبائه وإن علون دون الأم .

                                                                                                                                            سواء مات الأب أو أعسر ، ثم تنتقل بعدهم إلى الأم .

                                                                                                                                            والثاني : وهو مذهب مالك أنها لا تجب على الأم ولا على الجد ، سواء مات الأب أو أعسر : لبعد نسب الجد وضعف النساء عن التحمل .

                                                                                                                                            والثالث : وهو مذهب أبي يوسف ومحمد أنه إن أعسر الأب تحملتها الأم لترجع بها عليه إذا أيسر وإن مات الأب كانت على الجد دون الأم .

                                                                                                                                            والرابع : وهو مذهب أبي حنيفة أنها تجب في موت الأب وإعساره على الجد والأم أثلاثا كالميراث ، ثلثها على الأم وثلثاها على الجد : استدلالا بقول الله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف الآية . إلى أن قال وعلى الوارث مثل ذلك ، يعني مثلما كان على الأب من رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، والأم والجد وارثان فوجب أن يشتركا في تحمل ذلك كاشتراكهما في الميراث . وهذا نص .

                                                                                                                                            ودليلنا هو : أن الجد ينطلق عليه اسم الأب فانطلق عليه حكمه قال تعالى : يابني آدم [ الأعراف : 26 ] فسمانا أبناء وسمى آدم أبا ، وقال عز وجل ملة أبيكم إبراهيم [ الحج : 78 ] فسماه أبا وإن كان جدا بعيدا ، ولأنه لما قام الجد مقام الأب في الولاية واختص دون الأم بالتعصيب وجب أن يقوم مقامه في التزام النفقة ، فأما الآية فلا دليل فيها ؛ لاختلاف أهل التأويل في المراد بالوارث هاهنا على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أنه المولود يلتزم نفقة أمه بعد موت أبيه كما التزمها أبوه ، وهو قول قبيصة بن ذؤيب ، وعلى هذا التأويل يسقط الدليل . .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد وارث الأب ، فعلى هذا الجد الذي هو أبوه أخص بميراثه نسبا من الأم التي هي زوجته ، فسقط الدليل .

                                                                                                                                            والثالث : أنه وارث المولود ، فعلى هذا يكون المراد بقوله مثل ذلك ما حكاه الشافعي عن ابن عباس وتابعه عليه الزهري والضحاك في أن لا تضار والدة بولدها ، فسقط الاستدلال بها على التأويلات كلها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية