الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أرضعتهما متفرقتين لم يحرما معا لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعدما بانت منه هي والأولى ، فيثبت نكاح التي أرضعتهما بعدما بانت الأولى ، ويفسد نكاح التي أرضعتها بعدها ؛ لأنها أخت امرأته فكانت كالمرأة نكحت على أختها ( قال المزني ) رحمه الله : ليس ينظر الشافعي في ذلك إلا إلى وقت الرضاع فقد صارتا أختين في وقت معا برضاع الآخرة منهما ( قال المزني ) رحمه الله : ولا فرق بين امرأة كبيرة أرضعت امرأة له صغيرة فصارتا أما وبنتا في وقت معا ، وبين أجنبية أرضعت له المرأتين صغيرتين فصارتا أختين في وقت معا ولو جاز أن يكون إذا أرضعت صغيرة ثم صغيرة كامرأة نكحت على أختها لزم إذا نكح كبيرة ، ثم صغيرة فأرضعتها أن يكون كالمرأة نكحت على أمها وفي ذلك دليل على ما قلت أنا ، وقد قال في كتاب النكاح القديم لو تزوج صبيتين فأرضعتهما امرأة واحدة بعد واحدة انفسخ [ ص: 387 ] نكاحهما ( قال المزني ) رحمه الله وهذا وذاك سواء وهو بقوله أولى " . قال الماوردي : وصورتها في رجل تزوج كبيرة وثلاثا صغارا فأرضعت الكبيرة من قبل دخوله بها إحدى الصغار فبطل نكاحهما معا ؛ لأنهما أم وبنت ، ثم عادت الكبيرة فأرضعت ثانية من الصغيرتين الباقيتين لم يبطل نكاح الصغيرة ؛ لأنها بنت امرأة لم يدخل بها ، وقد بانت منه فإن عادت الكبيرة فأرضعت الصغيرة الثالثة بطل نكاح الثالثة ؛ لأنها صارت أخت الثانية ، وهل يبطل بها نكاح الثانية أم لا ؟ على قولين : أحدهما : وبه قال في القديم ، وهو مذهب أبي حنيفة والمزني ، وأبي العاص بن سريج : ينفسخ نكاح الثانية برضاع الثالثة ؛ لأنهما قد صارتا أختين فصار كما لو أرضعتهما معا ؛ ولأنه لو تزوج بصغرى وكبرى فأرضعت الكبرى الصغرى بطل نكاحهما ؛ لأنهما صارتا أختين ، وإن تقدم سبب الكبرى على رضاع الصغرى كذلك هاهنا . والقول الثاني : وبه قال في الجديد ، وهو مذهب الأوزاعي أن نكاح الثانية بحاله لا ينفسخ برضاع الثالثة ؛ لأنه لما لم ينفسخ نكاحها برضاعها لم ينفسخ برضاع غيرها وصارت كامرأة نكحت عليها أختها يبطل نكاح الأخت وثبت نكاحها ؛ ولأنه لو ملك أمتين أختين فوطئ إحداهما كانت الأخرى محرمة عليه ، فإن وطئها لم تحرم الأولى بوطء الثانية وكانت الأولى على إباحتها كذلك تحريم الرضاع ، فعلى هذا لو كان له أربع زوجات صغار ، فأرضعت أجنبية كل واحدة من الصغار الأربع واحدة بعد واحدة فأحد القولين وهو اختيار المزني قد بطل نكاحهن كلهن فيبطل نكاح الأولى برضاع الثانية ، ويبطل نكاح الثالثة برضاع الرابعة . والقول الثاني : ثبت نكاح الأولى ، ويبطل نكاح الثلاث برضاعهن بعد الأولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية