الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقررت هذه الجملة لم يخل حالها بعد الاستبراء من حالين : [ ص: 347 ] أحدهما : أن تظهر براءة رحمها ، وأن لا حمل معها فتحل للمشتري ولكل مالك من وارث وغانم . والحال الثانية : أن يتبين حملها بوضع ولد فلا يخلو حالها من ثلاثة أقسام : أحدها : أن لا تكون فراشا لزوج ولا لسيد وهو أن تكون مسبية ، أو تكون حاملا من زنا فيكون وضع الحمل استبراء ، ولا يمنع ذلك من صحة الشراء ، وهي حلال له بعد الوضع إذا انقضت مدة النفاس ، والولد مملوك له ، وله الخيار في فسخ البيع قبل الولادة لما يخاف عليها عند الولادة ، فأما بعدها فإن تحقق حملها قبل الولادة فالإمساك عن العيب رضا بالعيب ، فلا رد له ، وإن لم تتحقق حملها حتى ولدت نظر حالها بعد الولادة ، وإن لم تنقص قيمتها بالولادة فلا رد له لزوال الخوف وعدم العيب ، فإن نقصت قيمتها اعتبر النقص ، فإن كان حادثا بعد الولادة فلا رد له لحدوثه في يده ، وإن كان متقدما وقت الحمل فله الرد . والقسم الثاني : أن تكون الأمة فراشا لزوج كأنها زوجة البائع أو الواهب بها ، فالولد لاحق بزوجها إذا أمكن أن يكون منه ، وهو مملوك للمشتري أو المستوهب وتنقضي عدتها من الزوج بولادته ، وهل يلزم المشتري استبراؤها بعده أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يلزمه الاستبراء لما علم من براءة رحمها بالولادة ، وتكون الولادة استبراء في حق الزوج والمشتري معا . والوجه الثاني : يلزمه أن يستبرئها بعد الولادة ؛ لأن الاستبراء الواحد لا يكون في حق اثنين لما يكون فيه من تداخل العدتين . والقسم الثالث : أن تكون الأمة فراشا للسيد البائع فهذا على ضربين : أحدهما : أن تكون ولادتها قبل وطء المشتري . والثاني : أن تكون بعده ، فإن كان قبل وطء المشتري لم يخل حال البائع والمشتري في الولد من أربعة أقسام : أحدها : أن يتصادقا على أنه من البائع ؛ لأنه لم يستبرئها من وطئه وقد وضعته لأقل من ستة أشهر من بيعه ، فيكون الولد حرا حقا بالبائع ، وقد صارت به أم ولد له فيبطل البيع فيها ويرجع المشتري . والقسم الثاني : أن يتصادقا أنه ليس من البائع : لأن البائع لم يطأها أو لأنها [ ص: 348 ] ولدته لستة أشهر فصاعدا بعد استبرائه لها فيكون البيع ماضيا ، والولد مملوكا للمشتري وتكون ولادتها استبراء في حق المشتري ، ويجوز له بعد انقطاع نفاسها أن يطأها . والقسم الثالث : أن يدعيه البائع وينكره المشتري فيقول البائع : وطئتها ولم أستبرئها وقد ولدته لستة أشهر بعد وطئي وقبل استبرائي ، ويقول المشتري هو من زنا فللبائع حالتان : إحداهما : أن يكون هو قد سمع منه الإقرار بوطئها قبل البيع إما مع العقد أو قبله فإن الحكم فيهما سواء ، فيكون الولد لاحقا به لما تقدم من اعترافه بالوطء والولد حر وقد صارت به أم ولد له فيكون البيع فيهما باطلا ولا يؤثر فيه إنكار المشتري ولا يمين له على البائع ؛ لأن البائع لو رجع عن إقراره لم يقبل منه لما فيه من إبطال النسب وسقوط العتق . والحال الثانية : أن لا يسمع من البائع الاعتراف بوطئها قبل البيع ويدعيه بعد الولادة فلا يقبل قوله على المشتري في إبطال البيع وعتق الولد ؛ لأن الظاهر من البيع الصحة فوجب حمله على السلامة ولم ينفذ فيه دعوى البائع لإبطاله كما لو باع عبدا ، ثم ادعى أنه قد كان أعتقه لم يقبل منه ، وإذا كان كذلك كان ماضيا على الصحة ، والأمة مملوكة للمشتري ، فتكون ولادتها استبراء في حقه يستبيحها بعد انقطاع دم النفاس ، والولد مملوك له وفي لحوق نسبه بالبائع قولان : أحدهما : قاله في كتاب " الأم " و " الإيلاء " يلحق به ؛ لأنه لا ضرر على المشتري في لحوق نسبه وإنما الضرر عليه في عتقه فأرفقناه لنفي الضرر عنه ، ولم ننف نسبه عن البائع ؛ لأنه لا ضرر على المشتري أن يكون عبده ذا نسب . والقول الثاني : رواه عنه البويطي لا يلحق نسبه بالبائع ؛ لأنه قد يدخل على المشتري ضررا في لحوق نسبه بالبائع ، إذا مات بعد عتقه في أن يصير ميراثه لأبيه دون معتقه لتقدم الميراث بالنسب على الميراث بالولاء . والقسم الرابع : أن يقول المشتري : إنه من البائع ، وينكر البائع أن يكون منه فلا يخلو حال البائع من أمرين : أحدهما : أن يكون قد سمع منه الاعتراف بوطئها ، فيلحق به الولد إذا وضعته لأقل من ستة أشهر بعد الاستبراء ، ولا يؤثر إنكاره ؛ لأن ثبوت النسب حق للولد لا يسقط بالجحود وتصير به الأمة أم ولد للبائع يبطل فيها البيع ويرجع المشتري عليه بثمنها . والحال الثانية : أن لا يسمع منه الاعتراف بوطئها فلا يقبل قول المشتري عليه ، [ ص: 349 ] لأن الظاهر صحة البيع وسلامة العقد لكن يعتق الولد على المشتري لاعترافه بحريته وتحرم عليه أمه لاعترافه بأنها أم ولد لبائعها ؛ لأن قوله مقبول على نفسه ، وإن لم يقبل على غيره ، فهذا حكم الولد إذا لم يكن المشتري قد وطئها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية