الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وأقل ما علمناه من الحيض يوم وقال في موضع آخر : يوم وليلة ( قال المزني ) رحمه الله : وهذا أولى ؛ لأنه زيادة في الخبر والعلم ، وقد يحتمل قوله يوما بليلة ، فيكون المفسر من قوله يقضي على المجمل وهكذا أصله في العلم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد مضى في كتاب الحيض أقل الحيض ، وإعادته في هذا الموضع لما يتعلق به من العدة بالأقراء . فذكر في هذا الموضع أن أقله يوم ، وقال في موضع آخر : أقله يوم وليلة فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النصين على ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على اختلاف قولين : أحدهما : أقله يوم وليلة . والثاني : أقله يوم وهذه طريقة فاسدة ؛ لأن القولين فيما احتمله الاجتهاد من تعارض ظاهرين أو ترجيح قياسين ، وأقل الحيضتين معتبر بالوجود المعتاد ، فإن وجد الأقل بطل الأكثر ، وإن لم يوجد بطل الأقل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني لأصحابنا : أن أقله يوم بغير ليلة ؛ لأنه كان يرى أن أقله يوم وليلة إلى أن صح عنده ما قاله الأوزاعي أنه كان عندهم امرأة تحيض بالغداة وتطهر بالعشي ، وكتب إليه عبد الرحمن بن مهدي بمثل ذلك فصار إليه ورجع عن اليوم والليلة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو أصح الطرق الثلاثة أن أقله يوم وليلة ، وقوله في هذا الموضع " أقله يوم " يريد به ليلته ، لأن العرب تذكر الأيام ، وتريد بها مع الليالي و تذكر الليالي وتريد بها مع الأيام ويجمع بينها للتأكيد قال الله تعالى : ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا [ مريم : 10 ] . وأراد بأيامها ، وقال تعالى : ثلاثة أيام إلا رمزا [ آل عمران : 41 ] . وأراد بلياليها ، فأما المزني فإنه وافق على هذا ، في أن أقل الحيض يوم وليلة وخالف في العلة قال : لأنه زيادة في الخبر والعلم ، وهذا تعليل فاسد ، لأن زيادة العلم وجود الأقل لا وجود الأكثر ، ولو كان هذا التعليل صحيحا لكان ما قاله أبو حنيفة من تحديد أقله بالثلاث أصح ؛ لأنه أزيد علما ، وأحسب المزني لم يزد ما توهمه [ ص: 179 ] أصحابنا من زيادة العلم بالوجود ، وإنما أراد زيادة العلم بالنقل عن الشافعي ؛ لأنه ممن لا يخيل عليه مثل هذا فينسب إليه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية