الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : فإذا ثبتت هذه المقدمة : فصورة مسألة الكتاب في رجل قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها ثانية بعد التزويج ، وفي المقدمة كان القذفان من غير تزويج ، فإذا كان كذلك لم يخل حال القذف الأول من أن يكون قد حد له قبل القذف الثاني أو لم يحد ، فإن كان قد حد له ، وقد قذفها ثانية في التزويج بعد أن حد للأول قبل التزويج ، فالقذف الثاني على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون بالزنا الأول ، فلا حد عليه في القذف الثاني ؛ لأنه حد له في الأول لكن يعزر للأذى ، ولا يجوز أن يلتعن بالقذف الثاني ؛ لأنه بزناء قبل نكاحه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون القذف بزناء ثان بعد الزوجية فعليه حد ثان ، ويجوز أن يلتعن منه ؛ لأن القذف الأول تقضى حكمه قبل الزوجية ، وقد قذف مبتدأ بعد الزوجية فانفرد بحكمه ، فإن كان القذف الثاني قبل حده من القذف الأول ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون بالزنا الأول ، فليس عليه فيها إلا حد واحد ؛ لأنه قذف بزناء واحد ، ولا يجوز أن يلاعن منه ؛ لأنه عن زنا قبل الزوجية ، إلا أن يكون ولد ، ففي جواز لعانه وجهان على ما ذكرناه :

                                                                                                                                            [ ص: 115 ] أحدهما : وهو قول أبي إسحاق : لا يلتعن منه مع الولد كما لا يلتعن منه مع عدمه ، فعلى هذا يحد للقذفين حدا واحدا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يجوز أن يلتعن منه مع وجود الولد ، وإن لم يلتعن منه مع عدمه للضرورة ، فعلى هذا لا يسقط عنه حد القذف الأول ويجمع عليه بين الحد واللعان ؛ لأن اللعان لا يسقط حد قذف قبل الزوجية .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون القذف الثاني بزناء ثان بعد الزوجية ، فيصير قاذفا لها بزنائين :

                                                                                                                                            أحدهما : قبل الزوجية يوجب الحد ولا يسقط اللعان .

                                                                                                                                            والثاني : في الزوجية يوجب الحد ويسقط اللعان ، فلما اختلف حكم القذفين وجب أن يجمع عليه بين الحدين ، وخالف من هذا الوجه قذفي الأجنبي . حيث لم يجب عليه فيهما إلا حد واحد في أحد القولين ؛ لأن قذفي الأجنبية متفقا الحكم فتداخلا ، وقذفي الزوجية مختلفا الحكم فلم يتداخلا .

                                                                                                                                            وقال أبو إسحاق المروزي : وإذا جمع بين هذين الحدين لاختلاف حكمهما وإن تجانسا وجب إذا زنى وهو بكر فلم يحد حتى زنى بعد إحصانه أن يحد حدين لاختلاف حكمهما وإن تجانسا ؛ لأن الحد الأول جلد ، والثاني رجم ، فيجلد ويرجم ، وهذا غلط لأن حد الزنا من حقوق الله - عز وجل - ، فجاز أن يدخل أخفهما في أغلظهما عند التجانس كما يدخل الحدث في الجنابة ، ولم يجز مثل ذلك في حقوق الآدميين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية