الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : أما المسألة الثانية : فهو أن يقول لها : أنت أزنى الناس ، قال الشافعي : في الجمع بينهما لم يكن قذفا إلا أن يريد به قذفا ، فجعله كناية في القذف [ فعلل ] أصحابنا هذا الجواب حين تابعوه عليه ، بأنه شبهها بجميع الناس في المبالغة ، ونعلم يقينا أن جميع الناس ليسوا زناة ، فيعلم كذبه يقينا فلم يكن قذفا صريحا ، والصحيح عندي أنه يكون قذفا صريحا لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لفظ المبالغة في الصفة إذا أضيفت إلى الجماعة فيهم مشارك وفيها مخالف حملت على المشارك في إثبات الصفة ، ولم تحمل على المخالف في نفيها ، كما لو قال : زيد أعلم أهل البصرة ، - ومعلوم أن بالبصرة علماء وغير علماء - كان محمولا على إثبات علمه في التشريك بينه وبين جهالها ، وكذلك قوله : أنت أزنى الناس - ومعلوم أن في الناس زناة وغير زناة ، فوجب أن يكون محمولا على مبالغة إضافته إلى الزناة ، وليس في القذف أبلغ من هذا ؛ لأنه جعلها أزنى من كل زان .

                                                                                                                                            والثاني : أننا لو أخرجنا هذا اللفظ من صريح القذف للتعليل الذي ذكروه من تيقن كذبه لخرج بهذا التعليل من كناية القذف ، ولا يصير قاذفا وإن أراده ، لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، فأما ما قطع فيه بالصدق أو قطع فيه بالكذب فليس بقذف ، ألا تراه لو قال لبنت شهر : زنيت ، لم يكن قذفا لاستحالته ، ولو قذف من ثبت زناها لم يكن قذفا لاستحالته .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد حكي عن المزني أنه لم يجعله قذفا وإن أراده . فأخرجه عن صريح القذف وكنايته تصحيحا لهذا التعليل .

                                                                                                                                            [ ص: 104 ] قيل : قد خالفتم المزني في هذا الجواب ؛ لأنكم جعلتموه كناية في القذف فبطل بخلافكم له صحة هذا التعليل ، على أنني لم أر للمزني في مختصره ولا في جامعه ما حكيتموه عنه من هذا الجواب ، وما حكي عنه في غيرها مدخول عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية