الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لامرأته : يا زانية ، فقالت : زنيت بك ، وطلبا جميعا ما لهما سألنا ، فإن قالت : عنيت أنه أصابني وهو زوجي أحلفت ولا شيء عليها ويلتعن أو يحد ، وإن قالت : زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا شيء عليه ؛ لأنها مقرة له بالزنا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما قوله لها مبتدئا : يا زانية ، فهو قذف لها صريح لا يرجع فيه إلى إرادته ، وأما قولها له في جواب قذفها له : زنيت بك ، فهو محتمل إذا كان جوابا ، فلم يكن قذفا صريحا إلا أن تريد به القذف ، والذي يحتمله هذا الجواب أحد أربعة أوجه ذكر منها الشافعي اثنين ، وأغفل الثالث :

                                                                                                                                            أحدها : أن تريد إقرارها بالزنا وقذفها له .

                                                                                                                                            والثاني : أن تريد إقرارها بالزنا ولا تريد قذفه به .

                                                                                                                                            والثالث : أن تريد قذفه بالزنا ولا تريد إقرارها به .

                                                                                                                                            والرابع : أن لا تريد قذفه ولا إقرارها به .

                                                                                                                                            فأما الأول : وهو أن تريد إقرارها بالزنا وقذفه به ، فهو أن تقول : أردت به أنه زنى بي قبل أن يتزوجني ، فكنت زانية به وكان زانيا بي ، فهذا البيان هو أغلظ أحوالهما في حقها وحق الزوج ، فعليها حدان :

                                                                                                                                            أحدهما : حد الزنا لإقرارها به ، وهو حق الله تعالى لا تراعى فيه المطالبة .

                                                                                                                                            والثاني : حد القذف للزوج ، لأنها قاذفة له . وهو معتبر بطلبه ، وقد سقط عن الزوج حد القذف بتصديقها له ، وإذا وجب الحدان عليها لم يتداخلا ؛ لأنهما من جنسين مختلفين : الموجب والحكم ، ومنع أبو حنيفة من اجتماعهما بناء على أصله في أن لا يجمع في السرقة بين القطع والغرم ، ونحن نجريه على أصلنا في الجمع بين القطع والغرم وإن كان في الجمع بين حد الزنا والقذف نص ، وهو ما روي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قائما يخطب فقام إليه رجل من بني كنانة فقال : إني أصبت حدا ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقعد ، حتى قال ذلك ثلاثا ، فقال له : ماذا فعلت ؟ فقال : زنيت ببنت امرأتي ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر وعليا وزيد بن حارثة أن يقيموا عليه حد الزنا ، ثم أرسل إلى بنت امرأته وسألها فقالت : ما زنيت ، فأمر أن يقام عليه حد القذف ، فجمع عليه الحدين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية