الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني : وهو أن ينفي بلعانه ولدا ، فإذا اعتدت من فرقة اللعان بالأقراء ثم وضعت بعده ولدا ثانيا لم يخل وضعه من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تضعه لأقل من ستة أشهر .

                                                                                                                                            والثاني : أن تضعه لستة أشهر فصاعدا إلى أربع سنين .

                                                                                                                                            والثالث : أن تضعه لأربع سنين فأكثر .

                                                                                                                                            فأما الحال الأولى : وهو أن تضعه لأقل من ستة أشهر حتى ينفيه بلعان ثان ، بخلاف التعانه من الحمل ، لأن التعانه من الحمل متوجه إلى ما اشتمل عليه البطن من واحد أو جماعة فانتفى جميعهم باللعان الواحد ، وإذا كان اللعان بعد الولادة ، كان النفي مقصورا على ما تضمنه اللعان ، ولم يتضمن إلا الأول فانتفى عنه دون الثاني ، فإن اعترف بالثاني أو لم يعترف به لكنه لم يلاعن منه لحق به الثاني والأول جميعا ؛ لأنهما من حمل واحد حيث كان بينهما أقل من ستة أشهر ، والحمل الواحد لا يتبعض في اللحوق باثنين كما لا يلحق الولد الواحد باثنين فجعلنا الأول تبعا للثاني في الاستلحاق ولم نجعل الثاني تبعا للأول في النفي لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن حكم الاستلحاق بعد النفي جائز ، والنفي [ بعد الاستلحاق غير جائز .

                                                                                                                                            والثاني : أن الولد يلحق بالإمكان ولا ينتفي بالإمكان ، فيغلظ بهذين الأمرين حكم الاستلحاق ] وعلى حكم النفي فصار الأغلظ متبوعا والأخف تابعا ، فإذا لحقه لم يحد لقذف الأم ؛ لأن لحوق الولد لا يقتضي تكذيبه في القذف ، كما لو لاعن منها ولم ينف ولدها .

                                                                                                                                            وأما الحال الثانية : فهو أن تضع الثاني لستة أشهر فصاعدا من ولادة الأول ولدون أربع سنين من وقت اللعان فيكون الولد الثاني من حمل ثان ، ولا يكون من حمل الولد الأول فيصير الولد الثاني لاحقا به دون الأول ما لم تصر ذات زوج يلحقه ولدها ، لأن ولد المبتوتة يلحق بزوجها إلى أربع سنين من فراقه ما لم تتزوج ، فإن قيل : أفليس قد نفيتم عنه إذا التعن من الحمل من ولدته بعد ستة أشهر ؟ .

                                                                                                                                            [ ص: 94 ] قلنا : إنما فرقنا بينهما في اللحوق لافتراقهما في معنى الاستبراء واختلافهما في إمكان اللحوق فصار الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الحامل إذا لاعن منها انقضت عدتها بوضع الحمل ، ووضع الحمل يقين في استبراء الرحم ، فلا يجوز أن يبقى بعده للزوج ما في الرحم ، وذات الولد إذا لاعن منها انقضت عدتها بالأقراء ، والاستبراء بالأقراء غلبة ظن ؛ لأنه قد يجوز أن تحيض على الحمل ويرى دم فساد ، فجاز أن يكون الرحم مشتملا على ماء الزوج وانعقاد الولد منه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يمنع من ذات الحمل إذا التعن منها أن يطأها في الزوجية بعد وضع الحمل فامتنع أن يكون الحمل الثاني منه ولا يمتنع من ذات الولد إذا التعن منها أن يكون قد وطئها في الزوجية بعد الولادة ، فلم يمتنع أن يكون الحمل الثاني منه ]

                                                                                                                                            فلهذين ما فرقنا في الثاني بين الحملين ، وإذا كان كذلك ولحقه الولد الثاني ولم ينتف منه إلا بلعان فإن التعن منه احتاج فيه إلى قذف ثان ، لأن القذف بالزنا الأول قد انقطع ماؤه بولادة الأول فصار الولد الثاني من ماء ثان فاقتضى أن يضاف في اللعان إلى زنا ثان ، فإن لم يلتعن من الثاني لحق به دون الأول لأنهما من حملين وليس يمتنع في الحملين أن يكونا من اثنين .

                                                                                                                                            وأما الحال الثالثة : وهو أن تضعه لأربع سنين فصاعدا من وقت لعانه ، فهو منفي عنه بغير لعان لاستحالة أن يكون من إصابته في الزوجية قبل لعانه لتجاوزه مدة أكثر الحمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية