الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا كان المنع من قبله كان عليه أن يفيء فيء جماع ، أو فيء معذور وفيء الحبس باللسان وقال في موضع آخر إذا آلى فحبس استوقفت به أربعة أشهر متتابعة ( قال المزني رحمه الله ) الحبس والمرض عندي سواء لأنه ممنوع بهما فإذا حبست عليه في المرض وكان يعجز عن الجماع بكل حال أجل المولي كان المحبوس الذي يمكنه أن تأتيه في حبسه فيصيبها بذلك أولى " .

                                                                                                                                            [ ص: 395 ] قال الماوردي : إذا كانت الموانع من جهة الزوج فزمان جميعها محسوب عليه من مدة التربص إلا اثنتين : زمان ردته وزمان عدتها من طلاقه فإنهما غير محسوبتين عليه وإن كان من جهته لأنهما موجبان من التحريم في حقها مثل ما يوجبانه في حقه ، وليس كإحرام وصيام لأنه لا يوجب التحريم في حقها وإنما يوجبه في حقه دونها فافترقا ، وإذا كان كذلك لم يخل حال هذه الموانع المحسوبة من أن توجد في الوقت الأول وهو مدة التربص أو في الوقت الثاني وهو زمان المطالبة ، فإن وجدت في الأول كانت محسوبة عليه فيحسب عليه زمان إحرام وزمان صيام وزمان مرض وزمان سفر سواء سافر في مباح أو في واجب وزمان حبسه سواء حبس بحق أو بغير حق ، قال المزني : وقال في موضع آخر : ولو آلى فحبس استؤنفت له أربعة أشهر ، فلم يحتسب بزمان الحبس عليه فكان أبو حفص بن الوكيل يخرج هذا قولا ثانيا في الحبس كما توهمه المزني أنه لا يحتسب بزمان عليه : لأنه غير منسوب إليه ، وهذا التعليل فاسد بالمرض لأنه ليس من فعله وزمانه محسوب عليه لوجوده في حبسه . وذهب جمهور أصحابنا إلى أن هذا ليس بقول ثان وأن مذهب الشافعي لم يختلف في أن زمان الحبس محسوب عليه ، لما علل به المزني في أن زمان المرض لما كان محسوبا عليه وحاله فيه أغلظ ، كان زمان حبسه وهو يقدر على أن تأتيه في الحبس فيصيبها أولى بالاحتساب ، ونسبوا المزني إلى الخطأ في نقله : لأن الشافعي قال فلو آلى فحبست استؤنفت له أربعة أشهر لأن الحبس من جهتها فوهم المزني في نقله ، ولو آلى فحبس فأضاف الحبس إليه دونها .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : المزني مصيب في نقله ، وليس ذلك باختلاف قولين كما وهم فيه بعض أصحابنا وإنما هو على اختلاف حالين ، ففي الموضع الذي احتسب زمان حبسه عليه إذا حبس بحق ، والموضع الذي لم يحتسب بزمان حبسه عليه إذا حبس بظالم وهذا التفصيل يبطل بالمرض كما يبطل به أصل التعليل والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية