الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال إن قربتك فأنت زانية فليس بمول وإن قربها فليس بقاذف إلا بقذف صريح " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإنما لم يكن هذا موليا ، لأنه يقدر على إصابتها من غير التزام شيء ، وإنما لم يلزمه شيء لأنه علق إصابتها بقذف ، وليس بقذف ، ولا حد فيه ، وإنما لم يكن قذفا لثلاثة معان :

                                                                                                                                            أحدها : أنه جعل وطأه لها زنا ، وهو يطؤها بعقد نكاح لا يجوز أن يصير زنا ، فتحققنا كذبه فيه ، فصار كقوله كل الناس زناة فلا يكون قذفا ولا يوجب حدا ليقين كذبه .

                                                                                                                                            والثاني : أن القذف بالزنا إخبار عن فعل ماض وهذا معلق بفعل مستقبل ، فلم يكن قذفا كما لو قال إن دخلت الدار فأنت زانية لم يكن قذفا .

                                                                                                                                            والثالث : أن القذف ما كان مطلقا ، وهذا معلق بصفة ، فلم يصر بوجود الصفة قذفا كما لو قال إن كلمت زيدا فأنت زانية ، لم يكن قذفا وإن كلمته فصار فساد هذا القذف يمنع من وجوب الحد وسقوط الحد يمنع من دخول الضرر عليه بالوطء ومنع الضرر بالوطء يخرجه من الإيلاء . [ ص: 366 ] مسألة قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال لا أصيبك سنة إلا مرة لم يكن موليا فإن وطئ وقد بقي عليه من السنة أكثر من أربعة أشهر فهو مول وإن كان أقل من ذلك فليس بمول .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا قال والله لا أصبتك سنة إلا مرة واحدة فقدر مدة يمينه بسنة واستثنى منها وطء مرة واحدة ، فمذهب الشافعي في الجديد ، والمشهور من قوله في القديم ، أنه لا يكون موليا لأن المولي من لا يقدر على الوطء إلا بالحنث ، وهذا يقدر على وطء تلك المرة بغير حنث فلم يكن في الحال موليا .

                                                                                                                                            وقال في القديم : يكون موليا في الحال .

                                                                                                                                            وبه قال مالك ، فخرجه أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة قولا ثانيا ، أنه يكون في الحال موليا تعليله أن المولي من يدخل عليه بالوطء ضرر وهذا قد يدخل عليه بالوطء الأول ضرر لأنه يصير به موليا والإيلاء ضرر فكان ما أدى إليه ضررا فلذلك صار به موليا وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المولي من امتنع من الوطء بيمين وليس عليه في وطء هذه المرة يمين فلم يكن موليا .

                                                                                                                                            والثاني : أن ضرر الإيلاء التزام ما لا يلزم ، وهذا ليس يلزمه بالوطء الأول شيء ، فلذلك لم يكن في الحال موليا ، وإذا كان هكذا نظر ، فإن لم يطأ حتى مضت السنة سقطت اليمين ، ولم يستحق عليه في السنة مطالبة ، وإن وطئ في السنة مرة لم يحنث به لأنه مستثنى من يمينه ، ويصير الحنث معلقا بالوطء في بقية السنة ، فإذا كان كذلك نظر في باقي السنة ، فإن كان أربعة أشهر فما دون لم يكن موليا ، وإن كان حالفا لقصوره عن مدة الإيلاء ، وإن كان الباقي منها أكثر من أربعة أشهر صار موليا وتضرب له مدة الإيلاء ، لأن زمان الحنث يتسع لمدة الوقف ، فعلى هذا لو قال : والله لا أصبتك سنة إلا مرتين فعلى ما حكيناه من قوله في القديم يكون موليا في الحال ، وعلى قوله في الجديد وهو الصحيح أنه لا يكون في الحال موليا ، لاستثنائه من مدة يمينه وطء مرتين ، فهو يقدر على الوطء في الحال بغير حنث ، فإذا وطئ مرة لم يحنث ولا يصير بها موليا ، لأنه قد بقي من استثنائه وطء مرة أخرى . فإذا وطئ المرة الثانية وفي السنة بقية وقع الحنث به وإن وطئ بعدها فينظر في بقية السنة ، فإذا كان أكثر من أربعة أشهر صار موليا ، وإن كان أقل لم يكن موليا وإن كان حالفا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية