الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : قال الشافعي في كتاب الأم .

                                                                                                                                            كانت الفرقة في الجاهلية بثلاثة أشياء بالطلاق ، والظهار ، والإيلاء ، فنقل الله تعالى الإيلاء ، والظهار عما كانا عليه في الجاهلية من إيقاع الفرقة على الزوجة إلى ما استقر عليه حكمها في الشرع ، وبقي حكم الطلاق على ما كان عليه .

                                                                                                                                            والأصل في بيان حكم الإيلاء قول الله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم تربص [ ص: 337 ] [ البقرة : 226 ] وفي الكلام حذف ، وتقديره : للذي يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم ، فترك أن يعتزلوا اكتفاء بما دل عليه ظاهره ، وفيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يكون موليا إلا بالله تعالى .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يكون موليا بكل يمين التزم بالحنث فيها ما لم يكن لازما له سواء كان حالفا بالله تعالى أو بالعتق والطلاق .

                                                                                                                                            وفيما يصير بالحلف عليه موليا قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : اليمين على زوجته أن لا يطأها فيكون يمينه على الامتناع من وطئها هو الإيلاء ، وهذا هو قول الشافعي والجمهور ولا يكون موليا إذا حلف على غير الوطء .

                                                                                                                                            والثاني : أن الإيلاء هو الحلف على مساس زوجته سواء كانت على الوطء أو على غيره إذا قصد الإضرار بها .

                                                                                                                                            وهو قول أبي قلابة وإبراهيم النخعي .

                                                                                                                                            ثم قال سبحانه : تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] يعني انتظار أربعة أشهر وهذه أربعة أشهر يؤجل بها المولي ، وفيها مذهبان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها أجل مقدر لوقوع الطلاق بعده ، وهذا قول أبي حنيفة ومن وافقه .

                                                                                                                                            والثاني : أنها أجل لاستحقاق المطالبة بعدها وهذا قول الشافعي ومن وافقه .

                                                                                                                                            ثم قال فإن فاءوا [ البقرة : 226 ] أي رجعوا ، والفيئة : الرجوع ، فإن الله تعالى قال : حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ومنه قول الشاعر .


                                                                                                                                            ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا

                                                                                                                                            وفيما أريد بالفيئة هاهنا قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : الجماع وهو قول الجمهور .

                                                                                                                                            والثاني : هو المراجعة باللسان بكل ما أزال مساءتها ودفع الضرر عنها ، وهذا قول من زعم أن الإيلاء هو اليمين على مساءتها وقصد الإضرار بها فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : غفور لمآثمه مع وجوب الكفارة عليه ، وهذا قول الجمهور .

                                                                                                                                            [ ص: 338 ] والثاني : غفور في تخفيف الكفارة وإسقاطها ، وهذا قول الحسن ، وإبراهيم ، ومن زعم أن الكفارة لا تلزم فيما كان الحنث فيه برا .

                                                                                                                                            وإن عزموا الطلاق [ البقرة : 227 ] وفي عزيمته تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الطلاق أن لا يفيء حتى تمضي أربعة أشهر فتطلق بمضيها ، واختلف من قال بهذا في الطلاق الذي يلحقها على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : طلقة بائنة ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي حنيفة .

                                                                                                                                            والثاني : طلقة رجعية وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وابن شبرمة رحمهم الله تعالى .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : أن عزيمة الطلاق أن يطالب بالفيئة ، أو بالطلاق بعد أربعة أشهر فلا يفيء ويطلق وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأبي الدرداء وعائشة وأكثر الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء رضي الله عنهم . فإن الله سميع عليم [ البقرة : 227 ] فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : سميع لإيلائه ، عليم بنيته .

                                                                                                                                            والثاني : سميع لطلاقه عليم بصبره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية