الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا حلف بالله تعالى أو بالطلاق على شيء يحتمل أمرين ، تعين أحدهما بالنية فإن لم يختلف في حظره وإباحته ، فالنية فيه نية الحالف دون المستحلف ، وإن اختلف في حظره وإباحته ، فإن النية فيه نية الحالف كان الحالف مظلوما والمستحلف ظالما ، كالحالف إذا كان شافعيا فحلف أن لا شفعة عليه للجار أو كان حنفيا فحلف أن لا ثمن عليه للمدبر ، فالنية في اليمين نية الحالف دون الحاكم المستحلف وإن كان الحالف ظالما كالشافعي إذا حلف لا ثمن عليه للمدبر ، والحنفي إذا حلف أن لا شفعة عليه للجار كانت النية نية الحاكم المستحلف دون الحالف فكأنها لا تكون على نية المستحلف إلا في هذا الموضع وحده ، فأما إذا تفرد الحالف باليمين فهي محمولة على نيته إذا كان ما نواه فيها محتملا .

                                                                                                                                            وإن حلف على شيء ماض أنه ما فعله ، وقد فعله ، ونوى في يمينه أنه ما فعله بالصين أو على ظهر الكعبة أو حلف على شيء مستقبل أنه يفعله ، ولم يفعله ، ونوى في يمينه أنه يفعله في الصين أو على ظهر الكعبة حمل على نيته ولم يحنث ، ولو حلف فقال : كل نسائي طوالق ونوى نساء قرابته لم تطلق نساؤه ، وإذا قال لزوجته : إن تزوجت عليك فأنت طالق ، ونوى أن يتزوج على بطنها ، حمل على ما نوى ولم يحنث إن تزوج عليها غيرها ، ولو قيل له : طلقت زوجتك فقال : نعم وأراد نعم بني فلان كان على ما نوى في الباطن ، وإن كان مؤاخذا بإقراره في الظاهر ، وإذا حلف ما كاتبت فلانا أو لا كلمته ولا رأيته ولا عرفته ولا أعلمته ونوى بالمكاتبة عقد المكاتبة وبقوله : ما رأيته أي ما ضربت رئته وبقوله ما كلمته أي ما جرحته وبقوله : ما عرفته أي ما جعلته عريفا ، وبقوله ما أعلمته أي ما قطعت شفته العليا ، حمل ذلك على ما نوى وهكذا لو حلف فقال : ما أخوف لك جملا ولا بقرة ولا ثورا ولا عنزا ونوى بالجمل السحاب ، وبالبقرة العيال ، وبالثور القطعة من الأقط ، وبالعنز الأكمة السوداء ، حمل على ما نوى ولم يحنث ، وهكذا لو قال : ما شربت لك ماء ونوى المني حمل عليه ، وصح ما نواه ، وكذلك جميع الأشباه المشتركة فيجوز له أن يؤدي عن الظاهر ، ولا يحرم عليه ذلك إذا [ ص: 300 ] لم يقصد به التوصل إلى محظور .

                                                                                                                                            قال الله تعالى في قصة إبراهيم : أأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون [ الأنبياء : 62 ، 63 ] .

                                                                                                                                            قيل : إنه نوى إن كانوا ينطقون ، فقد فعله كبيرهم هذا .

                                                                                                                                            وروي أن سويد بن حنظلة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه حلف بالله أن وائل بن حجر أخوه ليخلصه من العدو ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صدقت المسلم أخو المسلم وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية