الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في فروع الطلاق

                                                                                                                                            وإذا تزوج الرجل جارية أبيه تزويجا صحيحا ، لأنه يخاف العنت ، أو لأنه عبد ، وإن لم يخف العنت فقال لها : إن مات أبي فأنت طالق ، فمات أبوه ، فإن لم يكن وارثا لكونه عبدا ، طلقت بموته ، لوجود الصفة ، وإن كان وارثا لكونه حرا فلا يخلو أن يكون على أبيه دين يحيط بقيمتها أو لا ، فإن لم يكن على أبيه دين يحيط بقيمتها ففي طلاقها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول ابن سريج : لا يطلق ، لأنه إذا ورثها انفسخ نكاحها بالملك ، وزمان الفسخ وزمان الطلاق سواء ، فوقع الفسخ ولم يقع الطلاق كقوله لها : إذا مت فأنت طالق ، فمات لم تطلق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنها تطلق ولا يقع الفسخ بالملك ، لأن صفة الطلاق توجد عقيب الموت وهو زمان الملك الذي يتعقبه الفسخ ، فصار الطلاق واقعا في زمان الملك لا في زمان الفسخ فلذلك وقع الطلاق ولم يقع الفسخ .

                                                                                                                                            وإن كان على أبيه دين يحيط بقيمة الجارية ، فقد اختلف أصحابنا في التركة إذا أحاط بها الدين ، هل تنتقل إلى ملك الورثة أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنها لا تنتقل إلى ملكهم ، وتكون لأرباب الدين دونهم ، فعلى هذا تطلق لوجود شرط الطلاق وعدم شرط الفسخ . [ ص: 289 ] والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس وأكثر أصحابنا : أنها تنتقل إلى ملك الورثة وإن أحاط بها الدين ، فعلى هذا يكون طلاقها على ما مضى من الوجهين .

                                                                                                                                            فلو كانت المسألة على حالها ، في تزويج الابن جارية الأب ، فقال لها الأب : إذا مت فأنت حرة ، وقال لها الابن إذا مات أبي فأنت طالق ، فمات الأب نظر ، فإن مات وقيمتها تخرج من ثلثه ، عتقت على الأب ، وطلقت على الابن ، لأن عتق الأب لها يمنع من ملك الابن لها ، ولذلك وقع العتق والطلاق معا . وإن كان على الأب دين يحيط بها ويمنع من خروجها من ثلثه ، لم تعتق عليه ، لأن عتق المريض إذا لم يخرج من الثلث مردود ، فطلاقها على الابن معتبر باختلاف أصحابنا ، هل يملكها الابن إذا أحاط بها دين الأب فعلى قول أبي سعيد الإصطخري لا يملكها الابن ، فعلى هذا تطلق ، وعلى قول الجماعة قد ملكها الابن ، فعلى هذا في طلاقها عليه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس : لا تطلق .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني : تطلق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية