فصل : وإن كان مثل أن يشك هل طلق واحدة أو ثلاثا ، لم يلزمه إلا اليقين وهو الأقل ، وبه قال الشك في عدد الطلاق مع يقين وقوعه ، أبو حنيفة وأكثر الفقهاء .
وقال مالك : يلزم أكثر ما شك فيه وهو الثلاث ، فلا تحل إلا بعد زوج .
فإذا تزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة طلقت ثلاثا : لجواز أن يكون طلقها في النكاح الأول اثنتين فبقيت معه على واحدة ، فإذا تزوجها ثالثة بعد زوج ثان وطلقها واحدة طلقت منه ثلاثا : لجواز أن يكون قد طلقها في النكاح الأول واحدة ، ويسمى الطلاق الدولابي .
واستدل على التزامه مع الشك حكم الأكثر ، بأن الشك في الحظر والإباحة يوجب تغليب الحظر على الإباحة ، كمن اختلطت أخته بأجنبية حرم عليه نكاحها : تغليبا للتحريم ، وكمن أصاب ثوبه نجاسة فلم يعرف موضعها ، غسل جميعه تغليبا للنجاسة .
وكمن طلق إحدى زوجتيه ، ولم يعرفها حرمتا على التأبيد تغليبا لحكم الطلاق ، كذلك إذا شك في عدد الطلاق لزمه الأكثر تغليبا للطلاق .
ودليلنا مع ما قدمناه من الخبرين ، أنه شك في طلاق فلم يحكم بوقوعه ، كالشك في أصل الطلاق ، ولأنه كما لو وقع الشك في أصله بنى على اليقين ، وجب إذا وقع في عدده أن يبني على اليقين كالصلاة ، ولأنه إسقاط حق فلم يلزم الشك كالإبراء .
فأما الجواب عن استدلالهم بتغليب الحظر على الإباحة فهو أن ذلك يكون مع اجتماعهم دون الشك فيهما ، وأن الأصل تغليب حكم .
فأما الثوب إذا شك في موضع النجاسة فيه فغلبه على جميعه لأن وقوع النجاسة فيه قد يمنع الصلاة فيه ، فلم يستبحها فيه إلا بيقين طهارة ، فكذلك على جميعه وأما أخته وأجنبية ، فلأن التحريم قد ثبت فلم يستبح أحدهما بالشك .
وكذلك إذا شك في المطلقة من زوجتيه وليس كالشك في الطلاق : لأنه لم يثبت تحريم الثلاث ، فلم يلزم تحريمها بالشك ، والله أعلم .