الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولو طلقها في مرضه المخوف ثم صح منه ثم مرض ومات لم ترثه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال زفر بن الهذيل : ترث : لأنه طلاق في المرض ، وليس بصحيح : لأن تعقب الصحة قد أخرج مرض الطلاق أن يكون مخوفا ، فلو طلقها في مرضه المخوف ثم قتل فيه أو افترسه سبع أو نهشته أفعى فكان موته من غيره ، قال أصحابنا : لم ترث : لأن حدوث الموت من غيره فنفي عنه حكم الخوف . وهكذا لو طلقها في مرضه فارتدت عن الإسلام ثم عادت إليه قبل موته لم ترث قولا واحدا : [ ص: 269 ] لأنها قد صارت بالردة في حال لو مات فيها لم ترثه ، وإن كانت ذمية فطلقها في مرضه ثم أسلمت قبل موته لم ترثه : لأنه لو مات وقت طلاقه وقبل إسلامها لم ترثه ، فانتفت التهمة عنه ، ولو أسلمت ثم طلقها ورثت ، ولو قال لها في مرض موته : إن أسلمت فأنت طالق فأسلمت ورثت لتهمته ، وهكذا لو كانت زوجته أمة فطلقها في مرضه ثم أعتقت لم ترث ، ولو أعتقت ثم طلقها ورثت .

                                                                                                                                            فلو أوقع الطلاق في حالة واحدة وذلك بأن يعلق الزوج طلاقها بقدوم زيد ، ويعلق السيد عتقها بقدوم زيد ، فيكون قدوم زيد موقعا لطلاقها وعتقها ، فيغلب فيها حكم الأسبق منهما ، فإن سبق الزوج السيد فقال : إن قدم زيد فأنت طالق ثم تلاه السيد فقال : إن قدم زيد فأنت حرة فلا ميراث لها : لارتفاع التهمة عن الزوج ، وإن سبق السيد فقال : إن قدم زيد فأنت حرة ثم تلاه الزوج فقال : إن قدم زيد فأنت طالق ، فلها الميراث لتهمة الزوج ، فلو قال لها السيد : إن طلقك الزوج غدا فأنت اليوم حرة ، فطلقها الزوج من الغد ثلاثا في مرض موته لم ترث قولا واحدا ، سواء علم الزوج بذلك أم لا : لأن العتق لا يقع إلا بالطلاق ، ولوقال الزوج في مرضه : إن أعتقك السيد غدا فأنت اليوم طالق ثلاثا ، فأعتقها السيد في غد ، ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لها الميراث : لتهمة الزوج فتكون كالحرة المبتوتة في المرض .

                                                                                                                                            والثاني : لا ميراث لها لتقدم الطلاق على العتق ، فلو اختلفت مع ورثة الزوج ، فقالت : طلقني بعد عتقي فلي الميراث . وقال الورثة : طلقك قبل عتقك فلا ميراث لك ، فالقول قول الورثة مع أيمانهم ولا ميراث لها : لأن الأصل فيها عدم الإرث حتى يتحقق سبقه . ولو اختلفت الحرة وورثة الزوج فقالت طلقني في مرضه فلي الميراث ، وقال الورثة : طلقك في الصحة فلا ميراث لك ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ولها الميراث : لأن الأصل فيها استحقاق الميراث ، ولأننا على يقين من حدوث الطلاق ، وفي شك من تقدمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية