مسألة : قال الشافعي : " ولو قال إن شاء الله لم يقع والعتق والنذور كهو في الأيمان " . [ ص: 258 ] قال والاستثناء في الطلاق الماوردي : وهذا كما قال : إذا لم يلزمه شيء من ذلك ، وكذلك جميع عقوده وارتفع حكم الطلاق والعتق والأيمان والنذور والإقرار والعقود . علق طلاقه أو عتقه أو يمينه أو نذره أو إقراره بمشيئة الله تعالى ،
واختلف أصحابنا هل يكون ذلك الاستثناء يمنع من انعقاد ذلك كله ، أو يكون شرطا يعلق به فلم يثبت حكمه لعدمه على وجهين :
أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أنه استثناء يمنع من انعقاده فلا يثبت لذلك كله عقد ولا حكم .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه شرط انعقدت عليه هذه الأحكام فلم يلزم لعدم الشرط ، وإن كانت منعقدة فهذا حكم ما عقد بمشيئة الله تعالى من الطلاق والعتق والأيمان والنذور والإقرار والعقود ، في أن جميعه غير لازم ، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه .
وقال مالك : تقع بمشيئة الله حكم الأيمان بالله تعالى ولا يرتفع ما سوى الأيمان بالله من الطلاق والعتق والنذور والإقرار .
وبه قال الزهري والليث بن سعد .
وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى : يرتفع بمشيئة الله حكم جميع الأيمان بالله وبالطلاق وبالعتق ، ولا يرتفع به وقوع الناجز من الطلاق والعتق والنذور ، وقال أحمد بن حنبل : يرتفع بمشيئة الله حكم الأيمان كلها ، وحكم الطلاق وإن كان ناجزا ، ولا يرتفع حكم العتق والنذور والإقرار .
فأما مالك فاستدل على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فاقتضى دليل ذلك أن من حلف بغير الله حنث ولأن الاستثناء رافع كالكفارة ، فلما اختصت الكفارة بالأيمان بالله دون غيرها ، وجب أن يكون الاستثناء بمشيئة الله تعالى مختصا بها دون غيرها ، ولأنه في الطلاق والعتق المعلق له بشرط يستحيل وجوده ، فوجب أن يتعجل وقوعه ويسقط شرطه ، كما لو قال : أنت طالق إن صعدت السماء طلقت في الحال لاستحالة الشرط ، قالوا : ولأنه أجرى الله تعالى الطلاق والعتق على لسانه ، مشيئة منه لإيقاعه فوجب أن يرتفع لوجود شرطه . من حلف بالله فقال : إن شاء الله لم يحنث
ودليلنا : رواية نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فكان على عمومه في الأيمان بالله وفي الطلاق والعتق ، [ ص: 259 ] ولأنه طلاق علق بمشيئة من له مشيئة ، فوجب أن لا يقع قبل العلم بها ، أصله إذا علقه بمشيئة زيد ، ولأنه طلاق علقه بصفة صحيحة فوجب أن لا يقع قبل وجودها ، أصله إذا علقه بدخول الدار ، ولأن كل يمين لو علقها بمشيئة آدمي ، لم تقع قبل العلم بها ، وجب إذا علقها بمشيئة الله أن لا تقع قبل العلم بها كاليمين بالله ، ولأنه لما ارتفع بمشيئة الله حكم اليمين بالله ، مع عظم حرمتها كان رفع ما دونه في الحرمة من العتق والطلاق أولى . من حلف على يمين ثم قال في إثرها : إن شاء الله لم يحنث
فأما الجواب عن خبرهم فهو أن خبرنا أعم وأزيد فكان قاضيا على الأخص الأنقص .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الاستثناء بمشيئة الله كالكفارة في رفع اليمين بهما ، فهو أن الاستثناء رافع لليمين والكفارة غير رافعة : لأن الاستثناء يمنع من انعقاد اليمين ، والكفارة لا تجب إلا بالحنث بعد انعقاد اليمين فافترقا .
وأما الجواب عن قياسهم على تعليق طلاقها بصعود السماء ، فهو أن أصحابنا قد اختلفوا في وقوعه على وجهين :
أحدهما : لا يقع لأنه مقيد بشرط لم يوجد فأشبه غيره من الشروط التي لا توجد ، ألا تراه لو قال : أنت طالق إن شاء زيد ، وزيد ميت لم تطلق ، وإن كان مقيدا بشرط لم يوجد فعلى هذا يبطل الاستدلال به .
والوجه الثاني : أن الطلاق يقع والشرط يلغى : لاستحالته ، وأنه في الكلام لغو ، وليست مشيئة الله مستحيل ولا الكلام بها لغو ، بل قد أمر الله تعالى بها وندب إليها بقوله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله [ الكهف : 23 ، 24 ] .
وأما استدلالهم بأن إجراء الطلاق على لسانه دليل على مشيئة الله تعالى فهو أنه دليل على إرادة إجرائه ، وليس بدليل على إرادة إيقاعه ، ثم ثبت ذلك عليهم في اليمين بالله إذا علقها بصعود السماء كقوله : والله لأضربنك إن صعدت السماء ، فإنها لا تلزم وإن قيدت بشرط مستحيل .