الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا كان له أربع زوجات فقال : كلما ولدت واحدة منكن فصواحبها طوالق ، فولدن جميعا ، فهذا ينقسم ثلاثة أقسام نبين به حكم ما زاد عليها .

                                                                                                                                            أحد الأقسام : أن يلدن معا في حال واحدة ، فتطلق كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا ويعتد بالأقراء ، لأن لكل واحدة ثلاث صواحب ، يقع عليها بولادة كل واحدة منهن طلقة ولذلك طلقت كل واحدة منهن ثلاثا بولادة صواحبها الثلاث ، واعتددن بالأقراء ، لوقوع الطلاق عليهن بعد الولادة ، وأول عددهن طهرهن بعد انقضاء النفاس .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يلدن جميعا واحدة بعد واحدة ، فقد اختلف أصحابنا فيما يقع عليهن من عدد الطلاق على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي بكر بن الحداد المصري ، ذكره في فروعه ، وتابعه عليه طائفة من أصحابنا أن الأولى تطلق ثلاثا ، وتنقضي عدتها بالأقراء ، والثانية تطلق واحدة وتنقضي عدتها بالولادة ، والثالثة تطلق طلقتين وتنقضي عدتها بالولادة والرابعة تطلق ثلاثا وتنقضي عدتها بالولادة .

                                                                                                                                            وإنما كان كذلك ، لأن الأولى إذا ولدت طلق كل واحدة من الثلاث واحدة واحدة ولم تطلق الأولى ، لأن ولادة كل واحدة صفة في وقوع الطلاق على غيرها ، [ ص: 204 ] وليس بصفة في وقوع الطلاق عليها فإذا ولدت الثانية ، بانت بولادتها لوقوع الطلقة الأولى عليها ، وطلقت بها الأولى واحدة ، وطلقت بها الثالثة طلقة ثانية ، وطلقت بها :

                                                                                                                                            فإذا ولدت الثالثة طلقت بها الأولى ثانية ، ولم تطلق بها الثانية لانقضاء عدتها بالولادة ، وطلقت بها الرابعة ثالثة ، وانقضت عدتها بالولادة ، بعد وقوع طلقتين عليها .

                                                                                                                                            فإذا ولدت الرابعة ، طلقت بها الأولى طلقة ثالثة ، ولم تطلق بها الثانية والثالثة لانقضاء عددهما وانقضت عدتها بالولادة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن القاص ، ذكره في " تلخيصه " - ولم يساعده عليه من يعتد بقوله - أن الأولى لا يقع عليها طلاق وتطلق كل واحدة من الثلاث تطليقة ، لأن الأولى إذا ولدت لم يقع عليها بولادتها طلاق ، ووقع على كل واحدة من الثلاث تطليقة ، فإذا ولدت الثانية انقضت عدتها بولادتها ولم تطلق بها غيرها ، لأنها بالبينونة خرجت عن أن تكون صاحبة لهن ، وخرجن ببقائهن في العدة أن يكن صواحب لها ، فلم يوجد شرط الطلاق منهن فلم يطلقن .

                                                                                                                                            وكذلك إذا ولدت الثالثة انقضت عدتها ، ولم يطلق بها غيرها لهذا المعنى وكذلك الرابعة ، والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن يرجع إلى إرادة الزوج بقوله كلما ولدت واحدة منكن فصواحبها طوالق .

                                                                                                                                            فإن أراد الشرط ، فالجواب على ما قاله ابن القاص ، وإن أراد به التعريف فالجواب على ما قاله ابن الحداد ، وإن لم يكن له إرادة ، أو فات الرجوع إلى إرادته بالموت ، كان محمولا على التعريف دون الشرط ، لأن الشروط عقود لا تثبت بالاحتمال والجواز .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تلد اثنتان منهن في حال معا ، ثم تلد بعدهما اثنتان في حال معا .

                                                                                                                                            فالجواب على قول أبي بكر بن الحداد أن كل واحدة من الأولتين تطلق ثلاثا ثلاثا وتنقضي عدتها بالأقراء ، وكل واحدة من الآخرتين تطلق تطليقتين وتنقضي عدتهما بالولادة : لأن الأولتين إذا ولدتا طلقت كل واحدة منهما تطليقة ، بولادة صاحبتها ولم تطلق بولادة نفسها . وطلقت كل واحدة من الآخرتين تطليقتين ، بولادة كل واحدة من الأولتين ، فإذا ولدت كل واحدة من الآخرتين ، لم تطلق واحدة بولادة صاحبتها ، لانقضاء عدتها بولادتهما وطلقت كل واحدة من الأولتين طلقتين بولادة الآخرتين ، فاستكمل طلاق الأولتين ثلاثا ووقع على الآخرتين تطليقتان . [ ص: 205 ] والجواب على قول أبي العباس : أن كل واحدة من الأولتين تطلق واحدة واحدة بولادة صاحبتها . وكل واحدة من الآخرتين تطلق تطليقتين بولادة الأولتين .

                                                                                                                                            ولا تطلق الأولتان بولادة الآخرتين : لأنهما قد خرجتا بانقضاء العدة بالولادة ، من أن تكونا صاحبتين للأولتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية