مسألة : قال الشافعي : فإن أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا فإن قيل قد يكون هذا طلاقا تقدم فأتبعه كلاما يخرج به منه قيل قد يقول : لا إله إلا الله فيكون مؤمنا يبين آخر الكلام عن أوله ولو أفرد " لا إله " كان كافرا " . قال قد فارقتك سائرا إلى المسجد أو سرحتك إلى أهلك أو قد طلقتك من وثاقك
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا قيد بصريح الطلاق بما يغلب حكم الصريح ، مثل أن يقول : قد طلقتك من وثاقك وفارقتك إلى المسجد ، وسرحتك إلى أهلك ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يقول ذلك فاصلا بين قوله : طلقتك ، وبين قوله من وثاقك ، فقد استقر حكم الطلاق في الوقوع بإمساكه على قوله قد طلقتك ولا يؤثر فيه ما استأنفه بعد الإمساك من قوله من وثاقك ولظهور أول الكلام مربوطا بآخره كما لا يؤثر الاستثناء بمشيئة الله ويبين العدد بعد انقطاع الكلام .
والضرب الثاني : أن يقول ذلك متصلا ، لا يفصل بين قوله : طلقتك وبين قوله : من وثاقك فيصير أول الكلام مربوطا بآخره ، فيخرج أوله من الصريح ، بما اتصل فيه وفي آخره . كما لو اتصل بالكلام استثناء ، صار حكم أوله محمولا على الاستثناء بآخره . فإن قيل : فقد قدح صريح الطلاق بقوله : قد طلقتك ، وقد يجوز أن يتعقبه ندم ، فيصله بقوله من وثاقك ، قيل لا معنى لهذا التوهم لأن الكلام المتصل يتعلق الحكم بجميعه لا ببعضه ، ألا ترى لو قال : لا إله إلا الله ، كان موحدا بالإيمان ، وإن كان أوله نفيا وآخره إثباتا ، وليس لقائل أن يقول : قد كفر بقوله لا إله ثم خاف فاستدرك بقوله إلا الله ، فينبغي أن يحكم بكفره ، ولا يحكم بإيمانه ، وإذا كان كذلك ، صار اللفظ الصريح بما اتصل به من القرينة ، كناية يقع به الطلاق إن نواه ، ولا يقع به إن لم ينوه .