مسألة : قال الشافعي : " ولو قال أنت طالق أعدل أو أحسن أو أكمل أو ما أشبهه سألته عن نيته فإن لم ينو شيئا وقع الطلاق للسنة " .
قال الماوردي : لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون له فيه نية أو لا نية له فيه ، فإن لم يكن له فيه نية وجب حمله على طلاق السنة ، لأنه الأعدل الأفضل الأجمل الأكمل سواء تغلظ ذلك عليه بالتعجيل أو تخفف بالتأجيل ، وإن كانت طاهرا طلقت في الحال طلاق السنة . وإن كانت حائضا لم تطلق حتى إذا طهرت طلقت حينئذ للسنة وإن كانت له نية فعلى ضربين : [ ص: 141 ] أحدهما : أن تكون نيته موافقة لظاهر لفظه وهو أن ينوي طلاق السنة فيحمل على ما نوى من طلاق السنة وتكون النية تأكيدا للظاهر : لأنه إذا حمل على طلاق السنة في غير نية كان أولى أن يحمل عليه مع النية . إذا قال : أنت طالق أعدل الطلاق أو أكمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أحسن الطلاق أو أهنأه أو أسراه أو أسوأه أو أنهاه أو قال شبه ذلك من صفات الحمد
والضرب الثاني : أن تكون نيته مخالفة لظاهر لفظه ، وهو أن يريد به طلاق البدعة لأنه اعتقد أن الأعدل مع قبح طريقها ، والأجمل بسوء خلقها ، أن يطلق للبدعة فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون ذلك أغلظ حاليه بأن تكون حائضا أو مجامعة فيحمل على طلاق البدعة ، ويقع الطلاق في الحال : لأنه أغلظ .
والضرب الثاني : أن يكون ذلك أخف حاليه بأن تكون في الحال طاهرا غير مجامعة ، دين فيما بينه وبين الله تعالى .
وهل تقبل منه في ظاهر الحكم أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يقبل منه في ظاهر الحكم ، ولا يلزمه وقوع الطلاق إلا إذا صارت إلى حال البدعة ، لأن ما ذكره من التأويل قد يحتمل أن يعدل بظاهر اللفظ إليه ثم لا يلزمه في ذلك إلا طلقة واحدة ما لم يرد أكثر منها .
فإن قيل فهلا إذا قال : أنت طالق أكمل الطلاق يلزمه الثلاث لأنها أكمل الطلاق قيل : الثلاث هي أكمل الطلاق عددا وقد يجوز أن يريد أكمل الطلاق صفة وحكما ، فلم يجز أن يحمل على كمال العدد دون الصفة إلا بنية : لأن الثلاث زيادة فلم تقع إلا باليمين ولكن لو قال أنت طالق أكثر الطلاق وقع ثلاثا : لأن الكثرة لا تكون إلا في العدد ، دون الصفة ، ولو قال : أنت طالق أكثر الطلاق كان واحدة ولم يكن ثلاثا إلا بالنية : لأنه الأكثر قد يعود إلى الصفة كما يعود إلى العدد ، والله أعلم بالصواب .