[ ص: 107 ] باب خلع المشركين من كتاب نشوز الرجل على المرأة
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " إن
nindex.php?page=treesubj&link=26215_25567_11559_11558_11562اختلعت الذمية بخمر أو بخنزير فدفعته ثم ترافعا إلينا أجزنا الخلع والقبض ولو لم تكن دفعته جعلنا له عليها مهر مثلها " .
قال
الماوردي : وهو كما قال خلع المشركين جائز كالمسلمين ، لأنه عقد معاوضة كالبيع ، ولأنه حل نكاح كالطلاق ، ولا يخلو حال العوض فيه من أن يكون حلالا أو حراما ، فإن كان حلالا يجوز أن يختلع به الزوجان المسلمان من الدراهم والدنانير ، وما كان معلوما من العروض والسلع صح خلعهما به ، فإن ترافعا إلينا أمضيناه قبل القبض وبعده ، وإن كان حراما من خمر أو خنزير ، فإن لم يترافعا إلينا فيه أقرا عليه من غير اعتراض عليهما لاستهلاكهما ذلك في شركهما ، فكان عفوا قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا [ البقرة : 278 ] ، فعفا عما مضى ، وحرم ما بقي ، وإذا كان كذلك فقد لزمه الطلاق بائنا وبرئت من العوض بالقبض .
والقسم الثاني : أن يترافعا إلينا قبل قبضه ، فلا يجوز لحاكمنا أن يحكم في خلعهما بإقباض خمر أو خنزير لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ الشورى : 15 ] وإذا كان كذلك أوقع الطلاق بائنا ، وأبطل الخمر والخنزير ، وحكم عليها للزوج بمهر مثلها ، لأن فساد الخلع بالخمر والخنزير يوجب الطلاق بمهر المثل .
والقسم الثالث : أن يترافعا إلينا بعد أن تقابضا بعضه ، وبقي بعضه ، فالطلاق واقع بائنا ، ويمضي من الخلع ما تقابضاه ، ويبطل منه ما بقي ، ويحكم فيه بقسطه من مهر المثل ، كأنه خالعها على عشرة خنازير ، فأقبضته منها خمسة ، وبقي منها خمسة ، فقد برئت من نصف البدل ، وبقي عليها نصف مهر المثل ، فلو كان قد خالعها على عشرة خنازير وعشرين زقا من خمر ، وتقابضا الخنازير وبقي الخمر ، فقد اختلف أصحابنا في تمييز الجنسين وتساويهما على وجهين :
أحدهما : أنهما يتميزان في الحكم لتميزهما في الجنس ، فعلى هذا يغلب اعتبار
[ ص: 108 ] الجنسين ، ويتقسط المهر عليهما فتكون الخنازير في مقابلة النصف ، فتبرأ من نصف مهر المثل وتكون الخمر في مقابلة النصف فيلزمها نصف مهر المثل .
والوجه الثاني : أن الجنسين لا يتميزان لاستوائهما في التحريم ، ويتقسط مهر المثل على أعدادهما وهما ثلاثون فتكون العشرة خنازير في مقابلة ثلث مهر المثل فيبرأ من ثلثه ، وتبقى العشرون زقا في مقابلة ثلثي المهر ، فيلزمها ثلثان .
فلو تقابضا قبل الترافع إلينا خمسة خنازير ، وخمسة أزقاق خمر ، فإن قلنا باعتبار الجنسين على الوجه الأول برئت من ثلاثة أثمان مهر المثل ، وبقي عليها خمسة أثمانه : لأن الخمسة خنازير من العشرة في مقابلة الربع ، والخمسة الأزقاق من العشرين في مقابلة الثمن ، فصارت ثلاثة أثمان ، وإن قلنا باعتبار العددين دون الجنسين على الوجه الثاني برئت من ثلث مهر المثل : لأنها أقبضته عشرة من ثلاثين ويبقى عليها ثلثا مهر المثل ، وهو على ما ذكرناه في كتاب الصداق سواء .
[ ص: 107 ] بَابُ خُلْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " إِنِ
nindex.php?page=treesubj&link=26215_25567_11559_11558_11562اخْتَلَعَتِ الذِّمِّيَّةُ بِخَمْرٍ أَوْ بِخَنْزِيرٍ فَدَفَعَتْهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ وَالْقَبْضَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ دَفَعَتْهُ جَعَلْنَا لَهُ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ خُلْعُ الْمُشْرِكِينَ جَائِزٌ كَالْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهُ حِلُّ نِكَاحٍ كَالطَّلَاقِ ، وَلَا يَخْلُو حَالُ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا ، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِعَ بِهِ الزَّوْجَانِ الْمُسْلِمَانِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَمَا كَانَ مَعْلُومًا مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ صَحَّ خُلْعُهُمَا بِهِ ، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا أَمْضَيْنَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا مِنْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا فِيهِ أُقِرَّا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمَا لِاسْتِهْلَاكِهِمَا ذَلِكَ فِي شِرْكِهِمَا ، فَكَانَ عَفْوًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [ الْبَقَرَةِ : 278 ] ، فَعَفَا عَمَّا مَضَى ، وَحَرَّمَ مَا بَقِيَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَبَرِئَتْ مِنَ الْعِوَضِ بِالْقَبْضِ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ فِي خُلْعِهِمَا بِإِقْبَاضِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [ الشُّورَى : 15 ] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُوقِعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَأُبْطِلَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ ، وَحُكِمَ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، لِأَنَّ فَسَادَ الْخُلْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يُوجِبُ الطَّلَاقَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا بَعْدَ أَنْ تَقَابَضَا بَعْضَهُ ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بَائِنًا ، وَيَمْضِي مِنَ الْخُلْعِ مَا تَقَابَضَاهُ ، وَيَبْطُلُ مِنْهُ مَا بَقِيَ ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِقِسْطِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، كَأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى عَشَرَةِ خَنَازِيرَ ، فَأَقْبَضَتْهُ مِنْهَا خَمْسَةً ، وَبَقِيَ مِنْهَا خَمْسَةٌ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْ نِصْفِ الْبَدَلِ ، وَبَقِيَ عَلَيْهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ خَالَعَهَا عَلَى عَشَرَةِ خَنَازِيرَ وَعِشْرِينَ زِقًّا مِنْ خَمْرٍ ، وَتَقَابَضَا الْخَنَازِيرَ وَبَقِيَ الْخَمْرُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَمْيِيزِ الْجِنْسَيْنِ وَتَسَاوِيهِمَا عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمَا يَتَمَيَّزَانِ فِي الْحُكْمِ لِتَمَيُّزِهِمَا فِي الْجِنْسِ ، فَعَلَى هَذَا يَغْلِبُ اعْتِبَارُ
[ ص: 108 ] الْجِنْسَيْنِ ، وَيَتَقَسَّطُ الْمَهْرُ عَلَيْهِمَا فَتَكُونُ الْخَنَازِيرُ فِي مُقَابَلَةِ النِّصْفِ ، فَتَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَكُونُ الْخَمْرُ فِي مُقَابَلَةِ النِّصْفِ فَيَلْزَمُهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَا يَتَمَيَّزَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ ، وَيَتَقَسَّطُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى أَعْدَادِهِمَا وَهُمَا ثَلَاثُونَ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ خَنَازِيرَ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَبْرَأُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَتَبْقَى الْعِشْرُونَ زِقًّا فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيِ الْمَهْرِ ، فَيَلْزَمُهَا ثُلُثَانِ .
فَلَوْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّرَافُعِ إِلَيْنَا خَمْسَةَ خَنَازِيرَ ، وَخَمْسَةَ أَزْقَاقِ خَمْرٍ ، فَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْجِنْسَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَرِئَتْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْمَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ : لِأَنَّ الْخَمْسَةَ خَنَازِيرَ مِنَ الْعَشْرَةِ فِي مُقَابَلَةِ الرُّبُعِ ، وَالْخَمْسَةَ الْأَزْقَاقِ مِنَ الْعِشْرِينَ فِي مُقَابَلَةِ الثُّمُنِ ، فَصَارَتْ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ ، وَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْعَدَدَيْنِ دُونَ الْجِنْسَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بَرِئَتْ مِنْ ثُلُثِ مَهْرِ الْمِثْلِ : لِأَنَّهَا أَقَبَضَتْهُ عَشَرَةً مِنْ ثَلَاثِينَ وَيَبْقَى عَلَيْهَا ثُلُثَا مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ سَوَاءً .