الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا كان تحته حرة وأمة زوجتان ، وذلك من أحد وجهين : إما أن يكون الزوج عبدا فنكح أمة وحرة ، ويكون حرا تزوج الأمة عند عدم الطول ثم نكح بعدها حرة ، فعليه أن يقسم لهما ، ويكون قسم الأمة على النصف من قسم الحرة ، وذلك بأن يقسم للحرة ليلتين ، وللأمة ليلة ، أو للحرة أربع ليال وللأمة ليلتين .

                                                                                                                                            وقال مالك : عليه التسوية بينهما في القسم ؛ استدلالا برواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان له امرأتان ، فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل .

                                                                                                                                            ولأنهما يستويان في قسم الابتداء ، إذا نكحها خصها بسبع إن كانت بكرا ، وبثلاث إن كانت ثيبا وجب أن يستويا في قسم الانتهاء .

                                                                                                                                            ودليلنا : رواية الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تنكح أمة على حرة ، وللحرة الثلثان وللأمة الثلث " .

                                                                                                                                            [ ص: 575 ] فإن قيل : فهذا مرسل ، وليست المراسيل عندكم حجة .

                                                                                                                                            قيل : قد عضد هذا المرسل قول صحابي ، وهو ما روى المنهال ، عن زر بن حبيش ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : إذا تزوجت الحرة على الأمة قسم لها يومين ، وللأمة يوما . وإذا عضد المرسل قول صحابي صار المرسل حجة .

                                                                                                                                            وعلى أنه ليس يعرف لعلي - رضي الله تعالى عنه - في هذا القول مخالف فكان إجماعا ، ولأن ما كان ذا عدد تبعضت الأمة فيه من الحرة كالحدود والعدة والطلاق .

                                                                                                                                            ولأن وجوب القسم لها في مقابلة وجوب الاستمتاع بها فلما تبعض الاستمتاع بها من الحرة لاستحقاق الاستمتاع بها في الليل ، ووجوب الاستمتاع بالحرة في الليل والنهار ، وجب أن يتبعض ما في مقابلته من القسم .

                                                                                                                                            فأما الخبر فلا دليل فيه ؛ لأن العمل بما أوجبه الشرع لا يكون ميلا محظورا ، وأن استدلالهم بقسم الابتداء ، فقد اختلف أصحابنا هل يستويان فيه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : أنهما لا يتساويان فيه ، بل يتفاضلان كقسم الانتهاء ، فسقط الدليل .

                                                                                                                                            الثاني - وهو قول أبي إسحاق المروزي - : أنهما يتساويان في قسم الابتداء وإن تفاضلا في قسم الانتهاء .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن قسم الابتداء موضوع للأنسية ، فاستوى فيه الحرة والأمة ، وقسم الانتهاء موضوع للاستمتاع ، والاستمتاع بالأمة ناقص عن الاستمتاع بالحرة

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية