الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين .

                                                                                                                                            فإن قلنا بالقديم : إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي ، صح عفوه باجتماع خمسة شرائط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون الولي أبا ، أو جدا ممن يلي على بضعها ومالها ، فإن عفا غيرهما من العصبات لم يصح .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون المرأة بكرا يصح إجبار الأب لها على النكاح ، فإن كانت ثيبا لم يصح .

                                                                                                                                            والثالث : أن تكون صغيرة ثبتت الولاية على مالها ، فإن كانت كبيرة تملك النظر في مالها لم يصح .

                                                                                                                                            والرابع : أن يكون عفوه بعد الطلاق الذي تملك به نفسها ، فإن عفا قبله لم يصح .

                                                                                                                                            والخامس : أن يكون الطلاق قبل الدخول ؛ لئلا يستهلك عليها بضعها ، فإن كان بعد الدخول لم يصح .

                                                                                                                                            فإذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة صح حينئذ عفوه .

                                                                                                                                            وإذا قلنا : إنه الزوج صح عفوه ، لجواز أمره بالبلوغ والعقل والحرية والرشد .

                                                                                                                                            فأما الصغير : فلا تبين زوجته منه بالطلاق ، ولأن طلاقه لا يقع ، وتبين منه بالردة أو بالرضاع ، فإن كان ذلك قبل الدخول عاد جميع صداقها إليه ؛ لوقوع الفرقة من جهتها قبل الدخول .

                                                                                                                                            وإن كان مجنونا وقعت الفرقة بردتها لا غير ، فإن كان ذلك قبل الدخول فلا صداق لها .

                                                                                                                                            وإن كان عبدا وقعت الفرقة بطلاقه ، فيكون في وقوعه كالحر ، وتقع الفرقة بردتها .

                                                                                                                                            وإن كان محجورا عليه بسفه وقعت الفرقة بطلاقه وبردتها .

                                                                                                                                            فلا يصح عفو واحد من هؤلاء . ويصح عفو سيد العبد ، فأما عفو ولي الصغير والمجنون والسفيه فلا يصح قولا واحدا ، وإن كان عفو ولي الزوجة على قولين .

                                                                                                                                            والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 518 ] أحدهما : أن ولي الزوجة هو الذي أكسبها الصداق بعقده ، فصح منه إسقاطه بعقده ، وولي الزوج ما أكسبه ما عاد من الصداق إليه فلم يصح عفوه عنه .

                                                                                                                                            والثاني : أن ما عاد من الزوج قد كان ماله فلم يجز أن يعفو عنه بعد عوده ، وصداق الزوجة ملك مستفاد فصح عفوه بعد استحقاقه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية