الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ القسم الثاني ] .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني ، وهو أن يكون الصداق قد تلف ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : [ إيضاح الضرب الأول ]

                                                                                                                                            أن يتلف قبل أن يحدث منه نماء كعبد مات ، أو دابة نفقت ، ففيما تستحقه الزوجة قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو الجديد - : مهر المثل ، فعلى هذا يكون الصداق تالفا على ملك الزوج ، سواء تلف بحادث سماء ، أو جناية آدمي ، ثم ينظر في الطلاق ؛ فإن كان قبل الدخول فلها نصف مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن كان بعد الدخول فلها جميعه ، ويعتبر به مهر مثلها وقت العقد ، لا وقت الطلاق ، ولا وقت تلف الصداق ؛ لأن تلف الصداق يدل على وجوب مهر المثل بالعقد دون الطلاق .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو القديم - : أنها ترجع عليه بقيمة الصداق ، فعلى هذا يكون الصداق تالفا على ملكها .

                                                                                                                                            ولا يخلو حال تلفه من ثلاثة أقسام : إما أن يكون بحادث سماء ، أو بجناية منه ، أو بجناية من أجنبي .

                                                                                                                                            فإن كان بحادث سماء : ففي كيفية ضمانه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يضمنه ضمان عقد ، فعلى هذا عليه قيمته يوم أصدق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : ضمان غصب ، فعلى هذا عليه قيمته أكثر ما كان قيمته من وقت العقد أو وقت التلف .

                                                                                                                                            وإن كان تلفه بجناية منه : فإن قيل إن ضمانه غصب ضمنه بأكثر قيمته في الأحوال كلها .

                                                                                                                                            وإن قيل إن ضمانه ضمان عقد فعليه أكثر القيمتين من وقت العقد أو وقت التلف قولا [ ص: 425 ] واحدا ؛ لأنه إن كانت قيمته وقت العقد أكثر فهي مضمونة عليه بالعقد ، وإن كانت وقت التلف أكثر فهي مضمونة عليه بالجناية ، ولا يضمن زيادته فيما بين العقد والجناية .

                                                                                                                                            وإن كان تلفه بجناية أجنبي ، فلا تخلو قيمته وقت العقد ووقت الجناية من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكونا سواء .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون وقت العقد أكثر .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون وقت الجناية أكثر .

                                                                                                                                            فإن استوت قيمته في الحالين كعبد كانت قيمته ألف درهم وقت العقد ووقت الجناية ، فالزوج ضامن لها في حق الزوجة بالعقد ، والجاني ضامن لها في حق الزوج والزوجة بالجناية ، وللزوجة الخيار في مطالبة الزوج بها أو الجاني .

                                                                                                                                            فإن طالبت الزوج بها ، وكان الطلاق بعد الدخول دفع إليها جميع القيمة ، ورجع على الجاني بجميع القيمة .

                                                                                                                                            وإن أرادت الزوجة في الابتداء أن تطالب بها الجاني دون الزوج كان لها ذلك .

                                                                                                                                            فإن كان طلاقها بعد الدخول رجعت عليه بجميع القيمة وبرئا من حقها ، وبرئ الجاني من حقهما .

                                                                                                                                            وإن كان الطلاق قبل الدخول : رجعت عليه بنصف القيمة وبرئ الزوج والجاني من حقها ، ورجع الزوج على الجاني بباقي القيمة وهو النصف الذي ملكه الزوج بطلاقه .

                                                                                                                                            وإن كانت قيمة الصداق وقت العقد أكثر منها وقت الجناية كأنه عبد قيمته وقت العقد ألف ، ووقت الجناية خمسمائة ، فالجاني ضامن بخمسمائة ؛ لأنها قيمته وقت جنايته ، والزوج ضامن لجميع الألف ؛ لأنها قيمته وقت عقده .

                                                                                                                                            فإن كان طلاقها بعد الدخول : كانت بالخيار بين أن ترجع على الزوج ، فترجع عليه بجميع الألف ، وقد استحقته ، ويرجع الزوج على الجاني بخمسمائة ، وبين أن ترجع على الجاني بخمسمائة وعلى الزوج بخمسمائة وليس للزوج أن يرجع بها على الجاني بشيء .

                                                                                                                                            وإن كان طلاقها قبل الدخول : كانت بالخيار بين أن ترجع على الزوج بنصف الألف وهي خمسمائة ، ويرجع الزوج على الجاني بخمسمائة ، وتكون الخمسمائة التي هي فاضل القيمة المضمونة على الزوج في مقابلة ما استحقه من نصف الصداق ، وبين أن ترجع على الجاني بالخمسمائة كلها ، وقد استحقت بها نصف قيمة صداقها وقت العقد ، ويكون ما ضمنه من فاضل القيمة في مقابلة ما استحقه بطلاقه .

                                                                                                                                            وإن كانت قيمة الصداق وقت الجناية أكثر ، كأنه عبد قيمته وقت العقد خمسمائة ووقت الجناية ألف ، فالجاني ضامن للألف ، وفيما يضمنه الزوج قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 426 ] أحدهما : خمسمائة إذا قيل : إنه يضمنه ضمان عقد .

                                                                                                                                            والثاني : ألف إذا قيل : إنه يضمنه ضمان غصب .

                                                                                                                                            فإذا قيل : إن الزوج يضمن جميع الألف ضمان الغصب ، كانت مخيرة إن كان طلاقها بعد الدخول في رجوعها بالألف على من شاءت من الزوج أو الجاني ، ثم ( الكلام في التراجع ) على ما مضى .

                                                                                                                                            وإن كان طلاقها قبل الدخول رجعت بنصف الألف على من شاءت منهما ، فإن رجعت بها على الزوج ، رجع الزوج على الجاني بالألف كلها ، وإن رجعت بها على الجاني ، رجع الزوج على الجاني بخمسمائة بقية الألف .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن الزوج يضمن خمسمائة ضمان العقد نظر :

                                                                                                                                            فإن كان طلاقها بعد الدخول ، فإن شاءت الرجوع على الجاني رجعت عليه بجميع الألف وقد برئ ، وإن شاءت الرجوع على الزوج لم ترجع عليه إلا بخمسمائة ؛ لأنه لم يضمن أكثر منها ، ورجعت على الجاني بخمسمائة بقية الألف ورجع الزوج على الجاني بالخمسمائة الباقية من الألف .

                                                                                                                                            وإن كان طلاقها قبل الدخول ، فإن شاءت الرجوع على الجاني رجعت عليه بنصف الألف ، ورجع الزوج عليه بخمسمائة بقية الألف ، وإن شاءت الرجوع على الزوج لم ترجع عليه إلا بنصف الخمسمائة ، ورجعت على الجاني بمائتين وخمسين بقية نصف الألف ، ورجع الزوج على الجاني بسبعمائة وخمسين بقية الألف .

                                                                                                                                            [ إيضاح الضرب الثاني ]

                                                                                                                                            والضرب الثاني في الأصل : أن يكون قد حدث من الصداق قبل تلفه نماء ، كولد أمة ، ونتاج ماشية ، فهو معتبر بما ترجع به الزوجة من بدل الصداق .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنها ترجع على الزوج بقيمته ، فالنماء لها لحدوثه عن ملكها .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنها ترجع على الزوج بمهر مثلها ، ففي النماء وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه للزوج ؛ لأن الرجوع عند تلفه إلى بدل ما في مقابلته موجب لرفعه من أصله ، فكأنها لم تملكه فلم تملك نماءه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه للزوجة ؛ لأنه حدث عن أصل كان في ملكها إلى وقت التلف ، ولا يصح أن يستحدث الزوج ملكه بعد التلف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية