الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن عليه مهر المثل دون المسمى ، فهل يرجع بعد غرمه على من غره أو لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما - وبه قال في القديم - : يرجع به : لقول عمر - رضي الله تعالى عنه - وذلك لزوجها غرم على وليها ، ولأن الغار قد ألجأه إلى التزام المهر بهذه الإصابة ، ولولاه لما لزمه المهر إلا بإصابة مستدامة في نكاح ثابت ، فجرى مجرى الشاهدين إذا ألزماه بشهادتهما غرما ثم رجعا ، لزمهما غرم ما استهلك بشهادتهما .

                                                                                                                                            والقول الثاني - قاله في الجديد - : لا يرجع على الغار : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة نكحت بغير إذن ولي فنكاحها باطل ، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها ولم يجعل للزوج الرجوع به على من غره في إذن الولي ، أو على من ادعى في نكاحها أنه ولي ، فدل على أن لا رجوع بالغرور ، ولأن غرم المهر بدل من استهلاكه للبضع واستمتاعه به ، فلم يجز أن يرجع بغرم ما أوجبه استهلاكه ، وإن كان مغرورا كالمغرور في مبيع قد استهلكه ، ولأن لا يجمع بين تملك البدل والمبدل ، وقد يملك الاستمتاع [ ص: 346 ] الذي هو معوض مبدل ، ولم يجز أن يتملك المهر الذي هو عوض بدل ، فإذا قلنا : إنه لا رجوع له على من غره ، فلا مسألة ، وإذا قلنا بالرجوع ، فلا يخلو من غره من أن يكون الزوجة أو وليها أو أجنبيا ، فإن غره الولي أو أجنبي رجع الزوج عليه بعد غرمه بما غرمه من مهر المثل ، فلو كانت الزوجة قد أبرأته منه لم يرجع به على الزوج على الغار ، ولو ردته عليه بعد قبضه ، ففي رجوعه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يرجع كالابن .

                                                                                                                                            والثاني : يرجع : لأن ردها له ابتداء هبة منها ، وإن كانت هي التي غرته لم يغرم لها من المهر ما يرجع به عليها : لأنه غير مقيد ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : قد سقط جميع مهرها بالغرور ، كما يرجع بجميعه على غيرها لو غره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو منصوص الشافعي في القديم - : أنه يسقط مهر المثل ، إلا أقل ما يجوز أن يكون مهرا فيلتزمه لها : لئلا يصير مستبيحا لبضعها بغير بذل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية