الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : واستدل أبو حنيفة على أن إسلام أحدهما قبل الدخول لا يوجب تعجيل الفرقة بأنه إسلام طرأ على نكاح ، فوجب أن لا يبطله قياسا على إسلامهما معا ، ولأن الإسلام سبب يستباح به النكاح : لأن الكافر لا يستبيح المسلمة إلا أن يسلم ، وما كان سببا في إباحة المحظور لم يكن سببا في حظر المباح .

                                                                                                                                            ودليلنا عليه : هو اختلاف الدارين إذا منع من تأبيد المقام على النكاح تعجلت به الفرقة إذا كان قبل الدخول كالردة ، ولأن كل سبب إذا وجد بعد الدخول لم تقع به الفرقة إلا بانقضاء العدة ، وجب إذا وجد قبل الدخول إن تعجل به الفرقة كالطلاق الرجعي ، فأما قياسه على إسلامهما معا ، فلأنه يجوز بإسلامهما تأبيد المقام على النكاح فكان على صحته ، وإسلام أحدهما يمنع تأبيد المقام فتعجل به فسخ العقد على أن القياس منتقض بالردة قبل الدخول ، فإنه يقول : لو ارتدا معا قبل الدخول كانا على النكاح ، ثم لو أسلم أحدهما بطل النكاح .

                                                                                                                                            وأما استدلاله بأن ما كان سببا في الإباحة لم يكن سببا في الحظر ، ففاسد بالطلاق ، وهو سبب لتحريم المطلقة وإباحة أختها ، وسبب لإباحتها لغير مطلقها ، وإن كان سببا لتحريمها على مطلقها ، ثم لما لم يمنع أن يكون الإسلام الذي هو مسبب الإباحة سببا للتحريم بعد انقضاء العدة ، وكذلك قبلها .

                                                                                                                                            واستدل أبو حنيفة على أن إسلام أحدهما في دار الإسلام فوجب بقاء النكاح على الأبد ما لم يعرض الإسلام على المتأخر منهما في الشرك ، فإذا عرض عليه فامتنع ، أوقع [ ص: 262 ] الحاكم الفرقة بطلقة تعلقا بأن الفرقة لا تكون إلا بالحادث ، وليس يخلو الحادث من ثلاثة أمور :

                                                                                                                                            إما أن يكون لإسلام من أسلم ، أو لكفر من تأخر ، أو لحكم حاكم ، فلم يجز أن يكون للإسلام : لأنه مأمور به ، فلم يكن سببا لزوال ملكه ، ولم يجز أن يكون للكفر : لأنه قد كان ، والنكاح بحاله فلم يبق إلا أن يكون بحكم الحاكم ، فاقتضى أن تتعلق الفرقة به ، تقدم الحكم أو تأخر ، قال : ولأن إسلام أحد الزوجين لا يوقع الفرقة بينهما كما لو أسلم زوج الكتابية .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن اختلاف الدين إذا منع ابتداء النكاح أوجب وقوع الفرقة من غير حكم : قياسا على إسلام أحدهما في دار الحرب ، ولأن دار الإسلام أغلظ في أحكام النكاح من دار الشرك ، ثم كانت دار الشرك لا تراعي في وقوع الفرقة بإسلام أحدهما حكم الحاكم ، فدار الإسلام بذلك أولى .

                                                                                                                                            فأما الاستدلال الأول ، فالجواب عنه أن الفرقة إنما وقعت باختلاف الدين المانع من ابتداء النكاح ، وليس من الأقسام المذكورة فلم يصح الاستدلال بها .

                                                                                                                                            وأما قياسه على إسلام أحد الزوجين ، فالمعنى فيه : أنه لما لم يمنع ذلك من ابتداء النكاح : لأنه يجوز أن يتزوج المسلم كتابية لم تقع الفرقة بإسلام الزوج الكتابي ، وليس كذلك في ملتنا لأنه لا يجوز أن يتزوج المسلم وثنية ، ولا الوثني مسلمة ، فجاز أن تقع الفرقة بإسلام أحد الوثنيين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية