مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن ، قيل : يثبت نكاح الحرة وينفسخ نكاح الأمة ، وقيل : ينفسخان معا ، وقال في القديم : نكاح الحرة جائز ، وكذلك لو تزوج معها أخته من الرضاع كأنها لم تكن ( قال عقد نكاح حرة وأمة معا المزني ) رحمه الله : هذا أقيس وأصح في أصل قوله : لأن النكاح يقوم بنفسه ، ولا يفسد بغيره ، فهي في معنى من تزوجها وقسطا معها من خمر بدينار ، فالنكاح وحده ثابت والقسط الخمر والمهر فاسدان " .
قال الماوردي : وصورة هذه المسألة فيمن يحل له نكاح الأمة يزوج بحرة وأمة ، فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتزوج الأمة ، ثم يتزوج بعدها حرة فنكاحهما صحيح : لأنه نكح الأمة على الشرط المبيح ، ونكاح الحرة بعد الأمة صحيح .
[ ص: 241 ] وقال أحمد بن حنبل : يصح نكاح الحرة ، ويبطل به ما تقدم من نكاح الأمة ، كما لو تقدم نكاح الحرة ، وهذا خطأ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . وهذا نص ، ولأنه عقد نكاح فلم يبطل ما تقدمه من النكاح ، كما لو نكح حرة على حرة . لا تنكح الأمة على الحرة ، وتنكح الحرة على الأمة
والقسم الثاني : أن يتزوج بالحرة ثم يتزوج بعدها بالأمة فنكاح الحرة صحيح ، ونكاح الأمة بعدها باطل : لأن الأمة لا يجوز أن يتزوجها وتحته حرة ، وعند مالك : يجوز ثانيا إذا كان عادما للطول خائفا للعنت ، وقد مضى الكلام معه . نكاح الأمة بعد الحرة
والقسم الثالث : أن يتزوجهما معا في عقد واحد ، فنكاح الأمة باطل : لأنه قد صار بعقده عليها مع الحرة قادرا على نكاح حرة ، وهل يبطل نكاح الحرة أم لا ؟ مبني على تفريق الصفقة في البيع إذا جمع العقد الواحد حلالا وحراما كبيع خل وخمر في عقد واحد ، أو بيع حر وعبد في عقد واحد ، فيبطل البيع في الحرام ، وفي بطلانه في الحلال قولان :
أحدهما - وهو قوله في القديم ، وأحد قوليه في الجديد - : أنه لا يبطل في الحلال تعليلا بأن لكل واحد منهما في الجمع بينهما حكم في انفرادها ، فعلى هذا يكون نكاح الحرة جائزا وإن كان نكاح الأمة باطلا .
والقول الثاني - وهو أحد قوليه في الجديد - : أن البيع يبطل في الحلال لبطلانه في الحرام ، فاختلف أصحابنا في تعليل هذا القول على وجهين :
أحدهما : أن العلة فيه أن اللفظة الواحدة جمعت حلالا وحراما ، فإذا بطل بعضها انتقضت ، فعلى هذا يبطل نكاح الحرة ، كما بطل نكاح الأمة : لأن لفظ العقد عليهما واحد .
والوجه الثاني : أن العلة فيهما الجهالة بثمن الحلال : لأن ما قابل الحرام من الثمن مجهول ، فصار ثمن الحلال به مجهولا ، فعلى هذا يبطل به من العقد ما كان موقوف الصحة على الأعواض كالبيع والإجارة الذي لا يمر إلا بذكر ما كان معلوما من ثمن أو أجرة ، فأما العقود التي لا تقف صحتها على العوض كالنكاح ، والهبة ، والرهن ، فيصح الحلال منها ، وإن بطل الحرام المقترن بها ، فيكون نكاح الحرة صحيحا ، وإن بطل نكاح الأمة . وفيما تستحقه من المهر قولان :
أحدهما : مهر المثل ، وإبطال المسمى .
والقول الثاني : قسط مهر مثلها من المهر المسمى ، بناء على اختلاف قوليه فيمن نكح أربعا في عقد على صداق واحد ، فأما المزني فإنه اختار أصح القولين ، وهو تصحيح نكاح الحرة مع فساد نكاح الأمة إلا أنه استدل لصحته بمثال صحيح ، وحجاج فاسد .
أما المثال الصحيح فهو قوله : " وكذلك لو تزوج معها أختها من الرضاعة " : لأنه إذا جمع في العقد الواحد بين أختها وأجنبية كان لجمعه بين حرة وأمة في عقد واحد ، فيبطل نكاح أخته ، وفي نكاح الأجنبية قولان .
[ ص: 242 ] وأما الحجاج الفاسد فهو قوله : " فهي في معنى من تزوجها وقسطا معها من خمر بدينار ، فالنكاح وحده ثابت ، والقسط من الخمر فاسد " .
واختلف أصحابنا في وجه فساد هذا الاعتلال والاحتجاج على وجهين :
أحدهما - وهو قول البغداديين - : أن وجه فساده أنه إذا زوجه وزقا من خمر بدينار فهما عقدان : بيع ونكاح ، كأن يقول : بعتك هذا الخمر وزوجتك هذه المرأة بدينار ، فلم يجز أن يحتج بالعقدين في صحة أحدهما وفساد الآخر على العقد الواحد في أن فساد بعضه لا يوجب فساد باقيه : لأن العقد الواحد حكم واحد ، وللعقدين حكمان .
والوجه الثاني - وهو قول البصريين - : أن وجه فساده أنه في النكاح والخمر بدينار قد جمع في العقد الواحد بين نكاح وبيع يختلف حكمهما ، والشافعي قد اختلف قوله في العقد الواحد إذا جمع شيئين مختلفي الحكم كبيع وإجارة ، أو رهن وهبة ، فله قولان :
أحدهما : أنهما باطلان بجمع العقد الواحد بين مختلفي الحكم .
والقول الثاني : أنهما جائزان : لجواز كل واحد منهما على الانفراد ، فلم يجز أن يحتج بما يصح العقد فيهما على صحة ما يبطل العقد في أحدهما ، والله أعلم .