الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت وتقرر أن نكاح الحر للأمة معتبر بثلاثة شرائط ، فكذلك نكاحه للمدبرة ، والمكاتبة ، وأم الولد ، ومن رق بعضها ، وإن قل لا يجوز إلا بوجود هذه الشرائط : لأن أحكام الرق على جميعهن جارية ، فجرت أحكام الرق على أولادهن ، وإذا ثبت اعتبار الشروط الثلاثة في نكاح كل من يجري عليه حكم الرق من أمة ، ومدبرة ، ومكاتبة ، وأم ولد ، وجب أن يوضع حكم كل شرط منها .

                                                                                                                                            [ ص: 238 ] أما الشرط الأول : هو أن لا يكون تحته حرة ، فوجود الحرة تحته لا يخلو من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون استمتاعه بها : لأنها كبيرة وهي حلال له : لأنه لم يطرأ عليها سبب من أسباب التحريم ، فلا يجوز مع وجودها أن ينكح أمة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يمكنه استمتاع بها لكبرها لكن قد طرأ عليها ما صار ممنوعا من إصابتها كالإحرام ، والطلاق الرجعي ، والظهار ، والعدة من إصابة غيره لها لشبهة ، فلا يجوز له مع كونها تحته على هذه الصفة أن ينكح أمة : لأن التحريم مقرون بسبب يزول بزوال سببه ، فصار كتحريمها في أيام الحيض .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن لا يمكنه الاستمتاع بها ، وإن كانت حلالا له ، وذلك لأحد أمرين :

                                                                                                                                            إما لصغر ، وإما لرتق وإما لضر من مرض ، ففي جواز نكاحه للأمة قولان مع وجود هذه الحرة ففيه ووجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز : لأن تحته حرة .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز : لأنه يخاف العنت ، وعلى هذين الوجهين لو كان يملك أمة ، وليس تحته حرة ففي جواز نكاحه للأمة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : ينكحها تعليلا بأن ليس تحته حرة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا ينكحها تعليلا : لأنه لا يخاف العنت .

                                                                                                                                            وأما الشرط الثاني : وهو أن يكون عادما لصداق حرة ، ففيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعتبر أقل صداق يكون لأقل حرة يؤخذ في مسلمة أو كتابية ، فعلى هذا يتعذر أن يستبيح الحر نكاح الأمة : لأن أقل الصداق عندنا قد يجوز أن يكون دانقا من فضة أو رغيفا من خبز ، وقل ما يعوز هذا أحد ، فإذا وجده ووجد منكوحة به حرم عليه نكاح الأمة ، وإن لم يجد أو وجده ، ولم يجد منكوحة به حل له نكاح الأمة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أننا نعتبر أقل صداق المثل لأي حرة كانت من مسلمة أو كتابية ، ولا يعتبر أقل ما يجوز أن يكون صداقا ، فعلى هذا لو وجد حرة بأقل من مهر مثلها مما يجوز أن يكون صداقا ، وهو واجد لذلك القدر حل له نكاح الأمة ، ولو وجد صداق المثل لحرة أو كتابية لم يحل له نكاح الأمة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أننا نعتبر أقل صداق المثل لحرة مسلمة ، فعلى هذا إن وجد صداق المثل لكتابية ، ولم يجد صداق المثل لمسلمة حل له نكاح الأمة : لقول الله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات [ النساء : 25 ] فشرط إيمان الحرائر ، وعلى هذا الوجه لو كان تحته حرة كتابية حل له نكاح الأمة ، وعلى هذا الوجه لو وجد حرة [ ص: 239 ] يتزوجها بأقل من صداق المثل وهو واجده حل له نكاح الأمة ، ولو وجد ثمن أمة وهو أقل من صداق حرة ، ففي جواز تزويجه للأمة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز لقوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم [ النساء : 25 ] .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز : لأنه مستغن عن استرقاق ولده .

                                                                                                                                            وأما الشرط الثالث : وهو أن يخاف العنت ، وهو الزنا ، فسواء خافه ، وهو ممن يقدم عليه : لقلة عفافه ، أو كان ممن لا يقدم عليه : لتحرجه وعفافه في أن خوف العنت فيهما شرط في إباحة نكاح الأمة لهما ، فأما إذا خاف العنت من أمة بعينها أن يزني بها إن لم يتزوجها لقوة ميله إليها وحبه لها فليس له أن يتزوجها إذا كان واجدا للطول : لأننا نراعي عموم العنت لا خصوصه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية